في يناير 1960، أثناء الطقس العاصف، انفصلت البارجة ذاتية الدفع T-36، التي كانت تفرغ حمولتها في جزر الكوريل، عن مرساتها وتم نقلها إلى البحر. كان على متن الطائرة أربعة جنود من قوات الهندسة والبناء التابعة للجيش السوفيتي: الرقيب الصغير أسكات زيغانشين والجنود فيليب بوبلافسكي وأناتولي كريوتشكوفسكي وإيفان فيدوتوف.
أمضى هؤلاء الأشخاص 49 يومًا في البحر المفتوح دون ماء أو طعام. لكنهم نجوا! تم إنقاذ البحارة الجائعين الذين أكلوا سبعة أزواج من الأحذية الجلدية من قبل طاقم حاملة الطائرات الأمريكية Kearsarge. ثم، في عام 1960، صفق لهم العالم كله.
العالم كله يعرف إنجاز الأربعة. أصبح الانجراف غير المسبوق لزيغانشين وبوبلافسكي وفيدوتوف وكريوتشكوفسكي مرادفًا لقوة روح جيل الشباب في الدولة السوفيتية. تعود أفكار الناس دائما إلى هذا الحدث، ويسعى الجميع إلى تقييم ما حدث.
"لقد صدمت شجاعتهم الملحمية العالم. إنهم ليسوا مجرد جنود في الجيش السوفيتي، هؤلاء الرجال الأربعة. قال الكاتب الأمريكي ألبرت كان: “إنهم أيضًا جنود الإنسانية”. "روسيا تلد رجالاً حديديين. قال سكرتير نقابة البحارة الإيطاليين: “لا يسع المرء إلا أن يعجب بهؤلاء الناس”. قال الفرنسي الشجاع الدكتور آلان بومبارد، مؤلف الكتاب الشهير «في البحر عند الإرادة»: «إنها ملحمة مذهلة للغاية». "هذه هي الحالة الوحيدة في تاريخ الملاحة." "إن إنجازهم هو عرض رائع للقدرة على التحمل البشري." "هذا مثال عظيم لجميع البحارة في جميع أنحاء العالم." "إلى جانب أهميته البطولية، فإن انجراف بارجة على متنها أربعة محاربين له أهمية علمية كبيرة." "كانت الأهمية الرئيسية هنا هي التحمل العصبي، وقوتهم الروحية، وتماسكهم الرفاقي، والمساعدة المتبادلة والدعم في اللحظات الصعبة. لقد فقدوا 30 كيلوغراماً من وزنهم، وأصبحوا أضعف جسدياً، لكنهم لم يفقدوا قوتهم الروحية...
ويمكن الاستشهاد بالمئات من هذه الأقوال، القادمة من أعماق القلب.
لم يكونوا من حرس الحدود، هؤلاء الرجال. ولم يكونوا بحارة عسكريين أيضًا. لم يكونوا بحارة على الإطلاق - لقد خدموا في كتيبة البناء وشاركوا في أعمال التحميل والتفريغ: لقد أخذوا البضائع على البارجة ونقلوها إلى الشاطئ.
ما زالوا يأملون، وما زالوا يعتقدون أنهم سيغسلون قريبا إلى الشاطئ، في بعض الجزيرة. ولم يكن لديهم أدنى شك في أنهم مطلوبون.
بالطبع، تم البحث عنهم عندما سمحت الظروف الجوية بذلك. لكن عمليات البحث هذه لم تكن مستمرة بشكل خاص: قليلون شككوا في أن السفينة من طراز T-36 لم تكن قادرة على الصمود في وجه عاصفة المحيط.
وعندما هدأت الريح قليلاً، قامت فصيلة من الجنود بتمشيط الشاطئ. تم العثور على بقايا برميل مياه للشرب من سطح السفينة، كما تم اكتشاف لوحة مكتوب عليها بوضوح "T-36". وفي خلط بين الأسماء والألقاب، سارعت قيادة أسطول المحيط الهادئ إلى إرسال برقيات إلى أقارب "المفقودين"، لإبلاغهم بوفاتهم. ولم يتم إرسال طائرة أو سفينة واحدة إلى منطقة الكارثة. حتى الآن، لم يُقال علناً إن السبب في ذلك لم يكن الظروف الجوية، بل ظروف مختلفة تماماً: السياسة العالمية تدخلت في مصير الجنود الأربعة. عثر Askhat على نسخة من النجم الأحمر على البارجة، والتي ذكرت أنه في منطقة جزر هاواي - أي في المكان الذي نُقلت فيه البارجة على ما يبدو، جرت اختبارات إطلاق الصواريخ السوفيتية. وأوضحت الصحيفة أنه في الفترة من يناير إلى مارس، مُنعت السفن من التحرك في هذا الاتجاه للمحيط الهادئ، حيث تم إعلان المنطقة بأكملها غير آمنة للملاحة. هذا يعني أنه لن يبحث عنهم أحد هنا.
لقد وجدوا أنفسهم في موقف صعب وقرروا بحزم أنهم سيصمدون حتى النهاية.
يمكن للمرء أن يتذكر مرة أخرى مدى الدفء والاهتمام الذي تعاملوا به مع بعضهم البعض، وكيف دعموا قوة وثقة بعضهم البعض. لقد أعادوا سرد محتويات الكتب التي تمت قراءتها مسبقًا، وتذكروا أماكنهم الأصلية، وغنوا الأغاني. وعندما نفدت المياه العذبة، حاولوا جمع مياه الأمطار. لقد صنعوا المغازل من علب الصفيح وخطافات السمك من المسامير، لكن لم يتم اصطياد أي سمكة.
والمثير للدهشة أنه لم تكن هناك معارك بينهما - ولم يرفع أي منهما صوته على الآخر. ربما، من خلال بعض الغريزة غير المفهومة، شعروا أن أي صراع في موقفهم يعني الموت المؤكد. وعاشوا، عاشوا على الأمل. وعملوا بقدر ما تسمح به قوتهم: وقفوا حتى الخصر في الماء البارد، واستخدموا الأوعية لاستخراج الماء الذي كان يتدفق باستمرار إلى العنبر.
لقد جاعوا وعانوا من العطش وبدأوا يفقدون سمعهم وبصرهم تدريجياً.
لكن حتى في اللحظات الأكثر أهمية لم يفقدوا مظهرهم البشري. يقول الأشخاص ذوو الخبرة أنه في الموقف الذي وجد فيه هؤلاء الأربعة أنفسهم، غالبًا ما يصاب الناس بالجنون ويتوقفون عن كونهم بشرًا: يصابون بالذعر، ويرمون أنفسهم في البحر، ويقتلون من أجل رشفة من الماء، ويقتلون من أجل تناول الطعام. نفس هؤلاء الرجال صمدوا بكل قوتهم، داعمين بعضهم بعضًا وأنفسهم على أمل الخلاص.
لقد جاءهم الخلاص حرفيًا من السماء على شكل طائرتين هليكوبتر وعلى مسافة ليست بعيدة كانت هناك سفينة حاملة الطائرات الأمريكية كارسارج. تم الترحيب بالجنود السوفييت على متن حاملة الطائرات الأمريكية بعناية استثنائية. حرفيًا، كان الطاقم بأكمله، من القبطان إلى آخر بحار، يعتنون بهم مثل الأطفال ويحاولون بذل كل ما في وسعهم من أجلهم.
هكذا رآهم الأمريكان.
ويجب أن نتذكر أن كل هذا حدث في عام 1960، في العام الأخير من رئاسة دوايت أيزنهاور، في ذروة الحرب الباردة. وعندما قيل لهم من خلال مترجم: "إذا كنتم خائفين من العودة إلى وطنكم، فيمكننا أن نبقيكم معنا"، أجاب الرجال: "نريد العودة إلى الوطن، بغض النظر عما سيحدث لنا لاحقًا"...
أبلغت وزارة الخارجية الأمريكية السفارة السوفيتية في واشنطن بالإنقاذ السعيد للأربعة بعد ساعات قليلة من العثور على الرجال أنفسهم على متن حاملة الطائرات كيرسارج. وطوال هذا الأسبوع، بينما كانت حاملة الطائرات متجهة نحو سان فرانسيسكو، شككت موسكو: من هم - خونة أم أبطال؟ وبحلول الوقت الذي وصلت فيه حاملة الطائرات إلى سان فرانسيسكو، بعد أن وزنت كل الإيجابيات والسلبيات، قررت موسكو أخيرًا: إنهم أبطال!! وأطلق مقال "أقوى من الموت" الذي ظهر في إزفستيا في 16 مارس 1960، حملة دعائية ضخمة في وسائل الإعلام السوفيتية. وبطبيعة الحال، بدأت الصحافة الأمريكية حتى قبل ذلك. الأربعة الشجعان متجهون الآن إلى المجد العالمي الحقيقي.
إن الوحدة والتواضع والشجاعة التي نجوا بها من هذه المحنة تسببت في فرحة حقيقية في جميع أنحاء العالم. الاجتماعات والمؤتمرات الصحفية وحسن النية وإعجاب الغرباء. قدم حاكم سان فرانسيسكو للأبطال مفتاحًا رمزيًا للمدينة.
الآن نحن نعلم أن طاقم البارجة T-36 قام بانجراف غير مسبوق في تاريخ الملاحة: في المجموع، سافرت السفينة الصغيرة حوالي ألف ميل.
الرقيب الصغير أسخات راخيمزيانوفيتش زيغانشين، والجنود فيليب غريغوريفيتش بوبلافسكي، وأناتولي فيدوروفيتش كريوتشكوفسكي، وإيفان إيفيموفيتش فيدوتوف. ثم تنافست هذه المجموعة الرباعية في شعبيتها مع جاجارين وفرقة البيتلز.
وبعد بضعة أيام، عندما كان طاقم البارجة يغادر سان فرانسيسكو، نظروا إلى الخليج. اصطف قائد حاملة الطائرات يو إس إس كيرسارج طاقم السفينة بالكامل على السطح العلوي. بحارة القوتين، المستعدين لتدمير بعضهم البعض في معركة نووية، أصبحوا الآن يفهمون بعضهم البعض دون كلمات.
ثم كانت هناك نيويورك، رحلة عبر المحيط الأطلسي على متن سفينة كوين ماري، باريس، طائرة إلى موسكو، اجتماع احتفالي في المطار: زهور، جنرالات، حشود من الناس، لافتات وملصقات. لقد انتهت رحلتهم المذهلة حول العالم تقريبًا.
وعلقت الملصقات في كل مكان: "المجد لأبناء وطننا الشجعان!" وذاع عنهم في الإذاعة، وأُنتجت عنهم أفلام، وكتبت عنهم الصحف.
حصل Ziganshin على الفور على رتبة رقيب أول.
كان المجد متقدما على الأبطال. بالعودة إلى الاتحاد السوفيتي، وقعت القيادة العسكرية العليا أوامر بمنح جميع الجنود الأربعة وسام النجمة الحمراء. وسرعان ما عاد الأربعة الشجعان للخدمة في جزر الكوريل، ولم يشك الأبطال حتى في أن ميزتهم الرئيسية لم تكن أنهم نجوا، بل عادوا إلى وطنهم.
الآن، من بين أولئك الذين انجرفوا لمدة 49 يومًا على متن البارجة T-36، بقي اثنان فقط. والآن تفصلهم حدود الدولة ولم يعد يتم التعرف عليهم في الشوارع. أناتولي كريوتشكوفسكي يعيش في كييف.
يبلغ عمر أسكات زيغانشين الآن 70 عامًا، وهو متقاعد، ويعيش في ستريلنا، ويعتني به أبناؤه وأحفاده. أسكات راخيمزيانوفيتش مواطن فخري في سان فرانسيسكو.
لماذا تعتقد أنك لم تموت في المحيط إذن؟ - يسألونه.
أولاً، لم يفقدوا حضورهم الذهني. هذا هو الشيء الرئيسي. لقد اعتقدنا أن المساعدة ستأتي. في لحظات الحياة الصعبة، لا يمكنك حتى التفكير في الأشياء السيئة. ثانيا، لقد ساعدوا بعضهم البعض ولم يتشاجروا أبدا. طوال تلك الرحلة الصعبة، لم يرفع أحد منا أصواته على بعضنا البعض.
في عام 1960، عُرض عليك اللجوء السياسي في الولايات المتحدة. هل ندمت على رفضك؟
أنا لست نادما على ذلك على الإطلاق! منذ صغري اعتدت أن أكون بين شعبي. يمكنك زيارة أمريكا، ولكن ليس العيش. والآن سيعرضون عليّ الانتقال إلى الولايات المتحدة - لن أذهب أبدًا!
قبل خمسة وخمسين عامًا، كانت هذه الرباعية أكثر شهرة من رباعية ليفربول. تمت كتابة وتحدث عن رجال من الشرق الأقصى في جميع أنحاء العالم. لكن موسيقى البيتلز الأسطورية لا تزال حية حتى يومنا هذا، وأصبح مجد أسكات زيغانشين وأناتولي كريوتشكوفسكي وفيليب بوبلافسكي وإيفان فيدوتوف شيئًا من الماضي.
يتم تذكر أسمائهم اليوم فقط من قبل الجيل الأكبر سنا. يجب إخبار الشباب من الصفر كيف تم نقل البارجة T-36 مع طاقم مكون من أربعة مجندين في 17 يناير 1960 بعيدًا عن جزيرة كوريل في إيتوروب إلى المحيط المفتوح إلى مركز إعصار قوي. كان القارب مخصصًا للملاحة الساحلية، وليس للرحلات البحرية، حيث ظل متدليًا بإرادة الأمواج لمدة 49 يومًا، وانجرف حوالي ألف ونصف ميل بحري. لم يكن هناك طعام أو ماء تقريبًا على متن الطائرة منذ البداية، لكن الرجال نجوا دون أن يفقدوا مظهرهم البشري.
وبعد نصف قرن، لم يبق على قيد الحياة سوى اثنين من المشاركين في الغارة غير المسبوقة. يعيش زيغانشين في ستريلنا بالقرب من سانت بطرسبرغ، ويعيش كريوتشكوفسكي في كييف المستقلة...
يبدو، Askhat Rakhimzyanovich، تلك الأيام التسعة والأربعين كانت الشيء الرئيسي الذي حدث في حياتك؟
ربما أود أن أنسى أمر الرحلة، لكنهم يستمرون في تذكيري! على الرغم من أن الاهتمام الآن بعيد عما كان عليه من قبل. في عام 1960، لم يمر يوم دون أن نؤدي عروضنا في مكان ما - في المصانع والمدارس والمعاهد. لقد مروا تقريبًا بجميع سفن أسطول البحر الأسود، وأسطول البلطيق، والأسطول الشمالي...
مع مرور الوقت، اعتدت على التحدث من المسرح، وقلت نفس الشيء في كل مكان، ولم أفكر في الأمر حتى. مثل قراءة قصيدة.
و هل ستقرأها لي؟
أستطيع أن أقول لك في النثر. في السابق، كان لا يزال يتعين علينا تجميل القليل من التفاصيل وإضافة الشفقة. الواقع ليس رومانسيًا وجميلًا، كل شيء في الحياة أكثر مللًا وابتذالًا. بينما كنا ننجرف، لم يكن هناك خوف أو ذعر. ولم يكن لدينا أدنى شك في أننا سنخلص بالتأكيد. على الرغم من أننا لم نعتقد أننا سنقضي ما يقرب من شهرين في المحيط. لو أن فكرة سيئة خطرت في ذهني، لما عشت اليوم. لقد فهم هذا تمامًا، ولم يعرج ولم يعطه للرجال، وقام بقمع أي مشاعر انهزامية. في مرحلة ما، فقد فيدوتوف قلبه، وبدأ بالصراخ قائلاً: "خان، لا أحد يبحث عنا أو سيجدنا"، لكنني غيرت التسجيل بسرعة، وحولت المحادثة إلى شيء آخر، وشتت انتباهه.
كان هناك أوكرانيان في فريقنا، روسي وتتار. كل شخص لديه شخصيته الخاصة، وطريقة سلوكه، ولكن صدقوني، لم يصل الأمر إلى مشاجرات. لقد خدمت في ميكانيكا المحركات Poplavsky و Kryuchkovsky للسنة الثانية، وكنت أعرف فيدوتوف أسوأ، فقد جاء من التدريب وجاء إلينا على الفور تقريبًا بدلاً من البحار فولوديا دوجكين، الذي اقتحم المستوصف: ابتلع أول أكسيد الكربون من موقد. في بداية الانجراف، احتفظ فيدوتوف بفأس تحت وسادته. فقط في حالة. ربما كان يخشى على حياته..
لم تكن هناك أرصفة مجهزة على الإطلاق في إيتوروب. في خليج كاساتكا، تم ربط السفن بالبراميل الموجودة على جانب الطريق أو بصاري سفينة يابانية غارقة. لم نكن نعيش في قرية Burevestnik، حيث كان مقر مفرزةنا، ولكن مباشرة على البارجة. كان الأمر أكثر ملاءمة بهذه الطريقة، على الرغم من أنه لا يمكنك فعل الكثير على متن الطائرة: قمرة القيادة تتسع فقط لأربعة أسرّة وموقد ومحطة راديو محمولة RBM.
في ديسمبر 1959، تم سحب جميع المراكب بالفعل إلى الشاطئ بواسطة الجرارات: بدأت فترة من العواصف القوية - لم يكن هناك مأوى منها في الخليج. نعم، وكانت هناك حاجة لبعض الإصلاحات. ولكن بعد ذلك جاء الأمر بتفريغ الثلاجة باللحوم بشكل عاجل. تم إطلاق "T-36" مع "T-97" مرة أخرى في الماء. تتألف خدمتنا من نقل البضائع إلى الأرض من السفن الكبيرة المتمركزة على الطريق. عادة ما تحتوي البارجة على مخزون من الطعام - البسكويت والسكر والشاي واللحوم المطهية والحليب المكثف وكيس من البطاطس، لكننا كنا نستعد لفصل الشتاء ونقلنا كل شيء إلى الثكنات. على الرغم من أنه وفقًا للقواعد الموجودة على متن السفينة، كان من المفترض الاحتفاظ بـ NC لمدة عشرة أيام...
في حوالي الساعة التاسعة صباحًا، اشتدت العاصفة، وانقطع الكابل، وتم حملنا على الصخور، لكننا تمكنا من إبلاغ القيادة بأننا، مع طاقم T-97، سنحاول اللجوء إلى الجانب الشرقي من الخليج. حيث كانت الرياح أكثر هدوءا. بعد ذلك غمرت المياه الراديو وانقطع الاتصال بالشاطئ. حاولنا إبقاء البارجة الثانية في الأفق، ولكن في الثلج انخفضت الرؤية إلى الصفر تقريبًا. وفي السابعة مساءً، تغيرت الريح فجأة، وتم جرنا إلى المحيط المفتوح. وبعد ثلاث ساعات أخرى، أبلغ الميكانيكيون أن احتياطيات الوقود في محركات الديزل قد أوشكت على النفاد. قررت أن أرمي نفسي إلى الشاطئ. لقد كانت خطوة محفوفة بالمخاطر، ولكن لم يكن هناك خيار آخر. كانت المحاولة الأولى غير ناجحة: اصطدموا بصخرة تسمى تل الشيطان. لقد كانت معجزة أنهم لم يصطدموا، بل تمكنوا من الانزلاق بين الحجارة، على الرغم من حصولهم على ثقب وبدأت المياه تغمر غرفة المحرك. خلف الصخرة بدأ شاطئ رملي، وقمت بتوجيه البارجة نحوه.
كنا على وشك الوصول إلى هناك، وكان قاعنا يلامس الأرض بالفعل، ولكن بعد ذلك نفد وقود الديزل، وتوقفت المحركات، وتم نقلنا إلى المحيط.
ماذا لو كنت تسبح؟
الانتحار! كانت المياه جليدية، والأمواج عالية، ودرجة الحرارة منخفضة... ولم نكن لنصمد لدقيقتين على السطح. نعم، لم تخطر على بالنا فكرة التخلي عن البارجة. هل يمكن تبديد أملاك الدولة؟!
لم يكن من الممكن الرسو في مثل هذه الريح، والعمق لم يسمح بذلك. بالإضافة إلى ذلك، كان كل شيء على البارجة جليديا، وتم تجميد السلاسل. باختصار، لم يبق شيء للقيام به سوى النظر إلى الشاطئ وهو يختفي من بعيد. استمر تساقط الثلوج، ولكن في المحيط المفتوح انخفضت الموجة قليلاً ولم تكن متموجة جدًا.
لم نشعر بأي خوف، لا. تم تكريس كل الجهود لضخ المياه من غرفة المحرك. وباستخدام رافعة، قاموا بإصلاح الثقب والقضاء على التسرب. في الصباح، عندما طلع الفجر، كان أول شيء فعلوه هو فحص ما لدينا من طعام. رغيف خبز، وبعض البازلاء والدخن، ودلو من البطاطس مدهون بزيت الوقود، وجرة من شحم الخنزير. بالإضافة إلى علبتين من Belomor وثلاثة صناديق من أعواد الثقاب. هذه كل الثروة. انكسر خزان مياه الشرب سعة خمسة لترات أثناء العاصفة، وكانوا يشربون المياه التقنية المخصصة لتبريد محركات الديزل. لقد كان صدئًا، لكن الأهم من ذلك أنه كان طازجًا!
في البداية كانوا يأملون أن يجدونا بسرعة. أو ستتغير الرياح وتدفع البارجة إلى الشاطئ. ومع ذلك، فقد فرضت على الفور قيودًا صارمة على الطعام والماء. فقط في حالة. وتبين أنه على حق.
في ظل الظروف العادية، لا ينبغي للقائد أن يقف في المطبخ، فهذا هو واجب الجنود، ولكن في اليوم الثاني أو الثالث بدأ فيدوتوف بالصراخ بأننا سنموت من الجوع، لذلك طلب مني الرجال أن آخذ كل شيء بين يدي والسيطرة على الوضع.
هل وثقوا بك أكثر من أنفسهم؟
ربما شعروا بأمان أكبر بهذه الطريقة... كانوا يأكلون مرة واحدة في اليوم. حصل الجميع على كوب من الحساء الذي قمت بطهيه من حبتين من البطاطس وملعقة من الدهن. واصلت إضافة المزيد من الحبوب حتى اختفت جميعها. كنا نشرب الماء ثلاث مرات في اليوم، كأسًا صغيرًا من عدة الحلاقة. ولكن سرعان ما كان لا بد من خفض هذا المعيار إلى النصف.
قررت اتخاذ مثل هذه التدابير الادخارية بعد أن اكتشفت بطريق الخطأ في غرفة القيادة قطعة من صحيفة "كراسنايا زفيزدا" التي ذكرت أن الاتحاد السوفيتي سيطلق صواريخ في المنطقة المحددة في المحيط الهادئ، وبالتالي، لأسباب أمنية، أي سفن - مدنية والعسكريون - منعوا من الظهور هناك حتى بداية شهر مارس. وأرفقت بالمذكرة خريطة تخطيطية للمنطقة. لقد قمت أنا والرجال بتقييم اتجاه النجوم والرياح وأدركنا أننا كنا ننجرف مباشرة إلى مركز اختبار الصواريخ. وهذا يعني أنه كان هناك احتمال أنهم لن يبحثوا عنا.
هل هكذا حدث؟
نعم، كما تبين لاحقا. لكننا كنا نأمل الأفضل، ولم نكن نعلم أنه في اليوم الثاني، جرفت الأمواج أداة إنقاذ من مركبتنا وصندوق فحم مكسور يحمل رقم الذيل "T-36" على شاطئ إيتوروب. لقد عثروا على الحطام وقرروا أننا متنا بعد اصطدامنا بالصخور. أرسل الأمر برقيات إلى الأقارب: هكذا يقولون وهكذا أبناءكم مفقودون.
على الرغم من أنه ربما لم يفكر أحد في إجهاد نفسه من خلال تنظيم عمليات بحث واسعة النطاق. هل يجب أن نلغي إطلاق الصاروخ بسبب البارجة المؤسفة؟ الاختبارات الناجحة للبلاد كانت أهم بكثير من الجنود الأربعة المفقودين...
وواصلنا الانجراف. كانت أفكاري تدور حول الطعام طوال الوقت. بدأت بتحضير الحساء كل يومين باستخدام حبة بطاطس واحدة. صحيح، في 27 يناير، في عيد ميلاده، تلقى كريوتشكوفسكي حصة متزايدة. لكن طوليا رفضت تناول الجزء الزائد وشرب الماء وحده. مثلًا، يتم مشاركة كعكة عيد الميلاد بين جميع الضيوف، لذا ساعد نفسك!
وبغض النظر عن الطريقة التي حاولوا بها زيادة الإمدادات، فقد نفدت الإمدادات الأخيرة في 23 فبراير. هكذا كان العشاء الاحتفالي على شرف يوم الجيش السوفيتي...
كما تعلمون، طوال الوقت لم يحاول أحد سرقة شيء ما من الطاولة المشتركة أو انتزاع قطعة إضافية. لأكون صادقًا، لم يكن الأمر لينجح. كان كل شيء على ما يرام. لقد جربنا تناول الصابون ومعجون الأسنان. إذا كنت جائعا، أي شيء سوف تفعل! لكي لا أفكر إلى ما لا نهاية في الطعام ولا أشعر بالجنون، حاولت أن أبقي الرجال مشغولين بالعمل. في بداية الغارة، استغرق الأمر أسبوعين - يوما بعد يوم! - حاولوا إنقاذ المياه من المخزن. كانت هناك خزانات مليئة بالوقود تحتها، وكان هناك بصيص من الأمل: فجأة بقي وقود الديزل هناك وسنتمكن من تشغيل المحركات. خلال ساعات النهار، قاموا بتحريك الدلاء قدر استطاعتهم؛ وفي الظلام، لم يجرؤوا على فتح الفتحة لمنع انخفاض ضغط المقصورة، وخلال الليل تراكمت مياه البحر مرة أخرى - كان غاطس البارجة يزيد قليلاً عن المتر. عمل سيزيفي! في النهاية وصلنا إلى أعناق الدبابات ونظرنا إلى الداخل. للأسف، لم يتم العثور على الوقود، فقط طبقة رقيقة على السطح. لقد شددوا كل شيء بإحكام ولم يعودوا هناك بعد الآن ...
هل أحصيت الأيام؟
كان لدي ساعة مع تقويم. في البداية، حتى سجل القارب كان مليئًا بـ: الحالة المزاجية للطاقم، وماذا كان يفعل. ثم بدأت في الكتابة بشكل أقل، لأنه لم يحدث شيء جديد، كنا نتسكع في مكان ما في المحيط، وهذا كل شيء. لقد أنقذونا في 7 مارس، وليس في الثامن، كما قررنا: لقد أخطأوا في حساب اليوم، متناسين أنها كانت سنة كبيسة وأن فبراير كان به 29 يومًا.
فقط في الجزء الأخير من الانجراف، بدأ "السقف" في الابتعاد ببطء، وبدأت الهلوسة. بالكاد خرجنا على سطح السفينة، ووضعنا في قمرة القيادة. لم يبق هناك قوة على الإطلاق. تحاول النهوض، وكأنك تعرضت لضربة على جبهتك بمؤخرتك، هناك سواد في عينيك. ويرجع ذلك إلى الإرهاق والضعف الجسدي. سمعنا بعض الأصوات، أصواتًا غريبة، وصفارات السفن التي لم تكن موجودة بالفعل.
وبينما كنا قادرين على التحرك، حاولنا صيد الأسماك. لقد شحذوا الخطافات، وصنعوا معدات بدائية. لكن المحيط كان هائجًا دون انقطاع تقريبًا، ولم يكن هناك أي لدغة طوال الوقت. أي نوع من الأحمق يمكنه تسلق مسمار صدئ؟ وكنا سنأكل قنديل البحر لو أخرجناه. صحيح أن مدارس أسماك القرش بدأت تدور حول البارجة. طوله متر ونصف. وقفنا ونظرنا إليهم. وهم علينا. ربما كانوا ينتظرون أن يسقط شخص ما في البحر فاقدًا للوعي؟
بحلول ذلك الوقت، كنا قد أكلنا بالفعل حزام الساعة، والحزام الجلدي من البنطال، وارتدنا الأحذية المشمعة. قاموا بتقطيع الحذاء إلى قطع وغليه لفترة طويلة في مياه المحيط، باستخدام المصدات وإطارات السيارات المقيدة بالسلاسل إلى الجوانب بدلاً من الحطب. عندما خفف القماش المشمع قليلاً، بدأوا في مضغه لملء بطونهم بشيء ما على الأقل. في بعض الأحيان يتم قليها في مقلاة بالزيت التقني. اتضح شيئًا مثل الرقائق.
في الحكاية الشعبية الروسية، قام جندي بطهي العصيدة من الفأس، وأنت، أي من الحذاء؟
الى اين اذهب؟ وجدنا جلدًا تحت مفاتيح الأكورديون، دوائر صغيرة من الكروم. أكلوه أيضا. اقترحت: "دعونا يا شباب نفكر في هذا اللحم الفاخر..."
ومن المثير للدهشة أننا لم نعاني حتى من اضطرابات في المعدة. الكائنات الحية الصغيرة هضمت كل شيء!
لم يكن هناك ذعر أو اكتئاب حتى النهاية. وفي وقت لاحق، قال ميكانيكي سفينة الركاب "كوين ماري"، التي أبحرنا عليها من أمريكا إلى أوروبا بعد الإنقاذ، إنه وجد نفسه في وضع مماثل: ظلت سفينته بدون اتصال لمدة أسبوعين خلال عاصفة شديدة. توفي العديد من أفراد الطاقم الثلاثين. ليس من الجوع، ولكن بسبب الخوف والمعارك المستمرة من أجل الغذاء والماء... أليس هناك الكثير من الحالات التي وجد فيها البحارة أنفسهم في وضع حرج، وأصيبوا بالجنون، وألقوا بأنفسهم في البحر، وأكلوا بعضهم البعض؟
كيف وجدك الأمريكان؟
لقد لاحظنا السفينة الأولى فقط في اليوم الأربعين. بعيدًا، تقريبًا في الأفق. لوحوا بأذرعهم وصرخوا - ولكن دون جدوى. في ذلك المساء نفسه رأينا ضوءًا من بعيد. وبينما كانوا يشعلون النار على سطح السفينة، اختفت السفينة في المسافة. وبعد أسبوع مرت سفينتان - ولكن دون جدوى أيضًا. كانت الأيام الأخيرة من الانجراف مثيرة للقلق للغاية. كان لدينا نصف غلاية من الماء العذب، وحذاء واحد وثلاث أعواد ثقاب. مع مثل هذه الإمدادات، كانوا سيستمرون لبضعة أيام، بالكاد أكثر.
في 7 مارس/آذار، سمعنا بعض الضوضاء في الخارج. في البداية قرروا: الهلوسة مرة أخرى. لكن لا يمكن أن يبدأوا في أربعة أشخاص في نفس الوقت؟ بصعوبة وصلنا إلى سطح السفينة. نحن ننظر - الطائرات تحلق في سماء المنطقة. وألقوا مشاعل إشارة على الماء ووضعوا علامات على المنطقة. ثم ظهرت طائرتان هليكوبتر بدلاً من الطائرات. لقد نزلنا إلى مستوى منخفض جدًا، ويبدو أنه يمكنك الوصول إليه بيدك. عند هذه النقطة اعتقدنا أخيرًا أن العذاب قد انتهى وأن المساعدة قد وصلت. نقف ونعانق بعضنا البعض وندعم بعضنا البعض.
انحنى الطيارون من الفتحات، وأسقطوا سلالم الحبال، وأظهروا بإشارات كيفية التسلق، وصرخوا لنا بشيء، وانتظرنا حتى ينزل شخص ما على البارجة، وأنا كقائد حددت شروطي: "أعط الطعام" والوقود والخرائط وسنعود إلى المنزل بأنفسنا." نظروا إلى بعضهم البعض: لقد كانوا من الأعلى، ونحن من الأسفل. علقت المروحيات وعلقت، ونفد وقودها، وحلقت بعيدا. تم استبدالهم بآخرين. والصورة هي نفسها: الأميركيون لن ينخفضوا، ولن نصعد. ننظر إلى حاملة الطائرات التي أقلعت منها المروحيات، واستدارت وبدأت في الابتعاد. والمروحيات تتبع. ربما اعتقد الأمريكيون أن الروس يحبون التسكع في وسط المحيط؟
في هذه المرحلة، شعرنا بالبرد حقًا. لقد فهمنا: الآن سوف يعطوننا قلمًا وداعًا. على الرغم من أنه حتى ذلك الحين لم يكن هناك أي تفكير في التخلي عن البارجة. دعهم على الأقل يأخذونك على متن الطائرة! وبآخر ما في وسعهم، بدأوا في إعطاء إشارات للأمريكيين قائلين إنهم خدعوا، لا تتركوهم ليموتوا، خذوهم بعيدًا. لحسن الحظ، عادت حاملة الطائرات، واقتربت، وصرخوا لنا من جسر القبطان بلغة روسية ركيكة: "بوموش فام!" ومرة أخرى ارتفعت المروحيات إلى السماء. هذه المرة لم نجبر أنفسنا على إقناع أنفسنا. صعدت إلى المهد الذي تم إنزاله على سطح السفينة وكنت أول من صعد إلى المروحية. وضعوا على الفور سيجارة في فمي، وأشعلتها بسعادة، وهو ما لم أفعله منذ عدة أيام. ثم تم انتشال الرجال من البارجة.
أخذونا على الفور إلى حاملة الطائرات لإطعامنا. سكبوا وعاءً من المرق وأعطونا الخبز. أخذنا قطعة صغيرة لكل منهما. يظهرون: خذ المزيد، لا تخجل. لكنني حذرت الرجال على الفور: شيئًا فشيئًا من الأشياء الجيدة، لأنني كنت أعرف أنه من المستحيل الإفراط في تناول الطعام عندما تكون جائعًا، فقد انتهى الأمر بشكل سيء. بعد كل شيء، لقد نشأت في منطقة الفولغا في فترة ما بعد الحرب...
ربما، لا تزال لا تترك قطعة غير مأكولة على طبقك، وتختار حتى الفتات؟
على العكس من ذلك، أنا انتقائي بشأن ذوقي: أنا لا آكل هذا، ولا أريد ذلك. لنفترض أنني لم أحب الخضار المسلوقة أبدًا - الجزر والملفوف والبنجر... لم يكن لدي أي خوف من الجوع وما زلت لا أشعر به.
لكنني سأواصل القصة حول الساعات الأولى على حاملة الطائرات. أعطانا الأمريكيون بياضات نظيفة، ومعدات للحلاقة، وأخذونا إلى الحمام. لقد بدأت للتو في غسل نفسي وسقطت فاقدًا للوعي. على ما يبدو، عمل الجسم عند الحد الأقصى لمدة 49 يوما، ثم هدأ التوتر، وعلى الفور مثل هذا التفاعل.
استيقظت بعد ثلاثة أيام. بادئ ذي بدء، سألت ما هو الخطأ في البارجة. هز المنظم الذي اعتنى بنا في مستوصف السفينة كتفيه. هذا هو المكان الذي انخفض فيه مزاجي. نعم، من الرائع أننا على قيد الحياة، ولكن من يجب أن نشكره لأنه أنقذنا؟ الأميركيين! إن لم يكن أعداء لدودين، فبالتأكيد ليس أصدقاء. لم تكن العلاقات بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية في تلك اللحظة ساخنة جدًا. الحرب الباردة! باختصار، لأول مرة في كل وقتي كنت أنجرف بشكل علني. لم أكن خائفًا على متن البارجة كما كنت على متن حاملة طائرات أمريكية. كنت حذرًا من الاستفزازات، وكنت أخشى أن يتركونا في الولايات المتحدة ولا يسمحوا لنا بالعودة إلى ديارنا. وإذا تم إطلاق سراحهم فماذا ينتظرهم في روسيا؟ هل سيتم اتهامهم بالخيانة؟ أنا جندي سوفياتي، عضو في كومسومول، وفجأة وقعت في فم أسماك قرش الإمبريالية العالمية...
لأكون صادقًا، عاملنا الأمريكيون بشكل جيد للغاية، حتى أنهم صنعوا فطائر خاصة بالجبن القريش، والتي حلمنا بها على البارجة. كان سليل المهاجرين من غرب أوكرانيا بمثابة طباخ على حاملة الطائرات، وكان يعرف الكثير عن المطبخ الوطني. ومع ذلك، في الأيام الأولى بعد الإنقاذ، فكرت بجدية في الانتحار، وحاولت النظر إلى الكوة، وأردت أن ألقي بنفسي. أو شنق نفسه من الأنبوب.
هل صحيح أنه تم تفتيش والديك بينما كنت على غير هدى؟
لقد اكتشفت هذا بعد 40 عامًا! في عام 2000، دعوني إلى موطني الأصلي، إلى منطقة سامارا، ونظموا ما يشبه الاحتفالات بمناسبة ذكرى الرحلة. في المركز الإقليمي لشنتالا يوجد شارع يحمل اسمي...
بعد انتهاء الجزء الرسمي، أتت إلي امرأة، وهي في غاية الحرج، تطلب الصفح عن زوجها الشرطي الذي كان يتجول مع الضباط الخاصين في منزلنا في العلية والأقبية في المنزل. الستينيات. ربما ظنوا أنني والأولاد قد هجرنا وأبحرنا على متن بارجة إلى اليابان. لم تكن لدي أي فكرة عن التفتيش، ولم يقل والداي أي شيء في ذلك الوقت. طوال حياتهم كانوا أشخاصًا متواضعين وهادئين. أنا الأصغر في العائلة، ولدي أيضًا شقيقتان تعيشان في تاتاريا. مات الأخ الأكبر منذ فترة طويلة.
في مارس/آذار 1960، سمع أقاربي عبر إذاعة صوت أمريكا أنه تم العثور علي، ولم أقتل، ولست في عداد المفقودين. بتعبير أدق، لم يكونوا هم أنفسهم، ولكن الجيران جاءوا يركضون وقالوا إنهم يبثون عن فيتكا الخاصة بك على الراديو. عائلتي فقط كانت تناديني بأسكات، والبقية كانوا ينادونني فيكتور. وفي الشارع وفي المدرسة ثم في الجيش..
تم تصوير فيلم إخباري على متن السفينة USS Kearsarge في عام 1960.
أبلغ الأمريكيون على الفور أنهم ألقوا القبض على أربعة جنود روس في المحيط، وأمضت سلطاتنا أسبوعًا في تقرير كيفية الرد على الأخبار وماذا تفعل معنا. ماذا لو كنا خونة أو منشقين؟ فقط في اليوم التاسع، 16 مارس/آذار، ظهر مقال "أقوى من الموت" على الصفحة الأولى لجريدة إزفستيا...
بحلول هذا الوقت تمكنا من عقد مؤتمر صحفي. مباشرة على متن حاملة طائرات. جاء مترجم يعرف اللغة الروسية جيدًا من جزر هاواي، ومعه عشرات الصحفيين. مع كاميرات التلفزيون، والكاميرات، والأضواء الكاشفة... ونحن أبناء الريف، بالنسبة لنا كل شيء جامح. ربما لهذا السبب كانت المحادثة قصيرة. لقد أجلسونا في هيئة الرئاسة وقدموا الآيس كريم للجميع. سأل أحد المراسلين إذا كنا نتحدث الإنجليزية. قفز بوبلافسكي: "شكرًا لك!" ضحك الجميع. ثم سألوا من أين أتينا ومن أي الأماكن. أجاب الرجال، قلت نفس الشيء، وفجأة خرج الدم من أنفي. ربما بسبب الإثارة أو الإجهاد الزائد. وبهذا انتهى المؤتمر الصحفي قبل أن يبدأ فعلياً. أعادوني إلى الكابينة ووضعوا حراسًا على الباب حتى لا يقتحمها أحد دون إذن.
صحيح أنه في سان فرانسيسكو، حيث وصلنا في اليوم التاسع، عوضت الصحافة عن ذلك ورافقتنا في كل خطوة. لقد تحدثوا أيضًا عنا على شاشة التلفزيون الأمريكي. لقد سمعت فقط عن هذه المعجزة التكنولوجية من قبل، لكنني الآن أقوم بتشغيلها - هناك قصة عن خلاصنا. لقد أصبحنا متضخمين ونحيفين... لقد فقدت ما يقرب من 30 كيلوغرامًا، وفقد الرجال نفس الوزن تقريبًا. أتذكر حينها أنهم أظهروا "خدعة": وقف الثلاثة معًا ولفوا أنفسهم بحزام جندي واحد.
بعد سنة واحدة. رحلة جاجارين.
لقد تم استقبالنا على أعلى مستوى في الولايات المتحدة! قدم عمدة سان فرانسيسكو مفاتيح رمزية للمدينة وجعله مواطنًا فخريًا. في وقت لاحق، في الاتحاد، أزعجتني الفتيات لفترة طويلة بالأسئلة: "هل صحيح أن المفتاح ذهبي؟" لن تشرح: لا، إنها خشبية ومغطاة بطلاء ذهبي... في السفارة حصلنا على مائة دولار لكل منا مقابل مصروف الجيب. لقد التقطت الهدايا لأمي وأبي وأخواتي. لم آخذ شيئا لنفسي. أخذونا إلى محل أزياء وألبسونا ملابسهم: اشتروا للجميع معطفًا وبدلة وقبعة وربطة عنق. صحيح أنني لم أجرؤ على ارتداء السراويل الضيقة والأحذية المدببة في المنزل؛ أعطى البنطلون لأخيه ميشا والأحذية لكريوشكوفسكي. وأرسله إلى عائلته. كما أعطونا ملابس داخلية لامعة عليها رعاة البقر. الآن سأرتديه بسهولة، ولكن بعد ذلك شعرت بالحرج الشديد. لقد دفعها ببطء خلف المبرد حتى لا يتمكن أحد من رؤيتها.
في الرحلة من سان فرانسيسكو إلى نيويورك، تم إعطاء الجميع كأسًا من الويسكي على متن الطائرة. لم أشرب الخمر، أحضرته إلى المنزل وأعطيته لأخي. بالمناسبة، كانت هناك حلقة مضحكة على حاملة الطائرات عندما أحضر لنا المترجم زجاجتين من الفودكا الروسية. فيقول: بناء على طلبك. لقد فوجئنا للغاية، ثم ضحكنا. يبدو أن أصحابها خلطوا الماء والفودكا...
ألم يعرضوا البقاء في الخارج؟
سألوا بعناية إذا كنا خائفين من العودة. يقولون، إذا كنت تريد، فسوف نوفر المأوى، وسوف نخلق الظروف. لقد رفضنا بشكل قاطع. لا سمح الله التعليم الوطني السوفيتي. ما زلت غير نادم على عدم إغراءي بأي عروض. لدي وطن واحد، ولست بحاجة إلى آخر. قالوا عنا فيما بعد: هؤلاء الأربعة اشتهروا ليس لأنهم أكلوا الأكورديون، بل لأنهم لم يبقوا في الولايات المتحدة.
في موسكو، في الأيام الأولى، كنت أخشى أن ينتهي بهم الأمر في لوبيانكا، أو يضعوني في بوتيركا، أو يبدأوا في تعذيبي. لكن الكي جي بي لم يتصلوا بنا ولم يستجوبونا، بل على العكس من ذلك، استقبلونا بالورود على سلم الطائرة. يبدو أنهم أرادوا حتى إعطاء لقب بطل الاتحاد السوفيتي، لكن كل شيء كان يقتصر على وسام النجمة الحمراء. كنا سعداء بذلك أيضا.
هل رحلت خارج البلاد من قبل؟
في بلغاريا. مرتين. ذهبت إلى فارنا لزيارة صديق وعشت معه ومع زوجته. ولكن هذا بعد ذلك بكثير. وبعد ذلك، في الستينيات، بدأت حياتنا المبهجة. عندما وصلنا إلى موسكو، حصلنا على برنامج: في التاسعة صباحًا لنكون في دار الراديو، في الحادية عشرة - على شاشة التلفزيون في شابولوفكا، في الساعة الثانية - لقاء مع الرواد في تلال لينين... أتذكر القيادة في جميع أنحاء المدينة، وكانت هناك ملصقات في الشوارع: "المجد لأبناء وطننا الشجعان!" في الصباح، في فندق CDSA، ركبنا السيارة المرسلة، وفي المساء عدنا إلى غرفنا. لا توجد تعليمات حول ما يجب التحدث عنه. قال الجميع ما يريدون.
استقبلنا وزير الدفاع المارشال مالينوفسكي. لقد أعطى الجميع ساعة ملاحية ("حتى لا يضيعوا مرة أخرى")، ومنحني رتبة رقيب أول، وأعطى الجميع إجازة لمدة أسبوعين للعودة إلى المنزل. بقينا في المنزل، التقينا في موسكو وذهبنا إلى شبه جزيرة القرم، إلى مصحة عسكرية في جورزوف. مرة أخرى كل شيء من الدرجة الأولى! كان هناك جنرالات وأدميرالات يستريحون - وفجأة نحن الجنود! غرف مطلة على البحر الأسود ووجبات معززة... لكن حمامات الشمس لم تنجح. بمجرد خلع ملابسك، يركض السائحون من جميع الجهات حاملين الكاميرات. يطلبون صورة تذكارية وتوقيع. لقد بدأوا بالفعل في الاختباء من الناس ...
عُرض علينا في جورزوف الالتحاق بالمدرسة البحرية في لومونوسوف بالقرب من لينينغراد. وافق الجميع باستثناء فيدوتوف.
هل نشأ خوفك من البحر بعد شهر ونصف من الانجراف؟
لا شيء على الاطلاق! شيء آخر كان مقلقًا: كان لدينا 7-8 درجات تعليمية، ولم نكن لنجتاز امتحانات القبول بأنفسنا. لقد أمضينا شهرًا في دراسة اللغة الروسية والرياضيات بشكل مكثف مع المعلمين المعينين، وملء بعض الفجوات في المعرفة، ومع ذلك تم التسجيل على أساس تفضيلي. لقد واجه القسم السياسي بعض المشاكل... وبعد ذلك، بصراحة، علمنا بذلك. حدث "ذيول"، ولم يتم اجتياز الاختبارات في المرة الأولى. بعد كل شيء، ذهبنا إلى الفصول الدراسية خلال فترات الراحة بين العروض. حتى أنني تمكنت من أن أكون مندوبًا لمؤتمر كومسومول.
منذ متى وهم يرقصون حولك؟
ضع في اعتبارك أنه قبل رحلة يوري جاجارين كنا نحدث ضجيجًا، ثم أصبح للبلاد والعالم كله بطل جديد. وبطبيعة الحال، لم نتمكن حتى من الاقتراب من مجده. لم يحاولوا حتى.
هل قابلت رائد الفضاء رقم واحد؟
"يوري غاغارين.
Ziganshin هو التتار.
الألماني تيتوف.
نيكيتا خروتشوف".
تم إنتاج فيلم روائي طويل عن الأربعة، وكتب فلاديمير فيسوتسكي أغنية له.
قام الرجال بضبط الأغنية الأمريكية الناجحة على لحن موسيقى الروك أند رول: "Ziganshin-boogie، Ziganshin-rock، Ziganshin أكل الحذاء الثاني."
أرسل لي همنغواي برقية تحية. كانت مستلقية في المنزل ثم ضاعت. وصلت رسالة من آلان بومبارد، من ثور هيردال. بالطبع، من الجيد أن الناس العظماء سمعوا اسمي، لكنني فهمت: أنا والرجال مدينون بشهرتنا للصدفة. لقد حدث ذلك بهذه الطريقة. رغم أنهم اليوم لا ينسون. قبل عامين، كتب شخص غريب الأطوار قصة خيالية بعنوان "Barge T-36". لقد حلم بكل أنواع الهراء، وصنع الهراء! لقد أعطوني كتابًا، فقلبت فيه ولم أقرأه حتى. يرقد على أحد الرفوف في الخزانة..
كانت هناك لحظة عندما بدأت الشرب بكثرة. مُدَرّس. كيف نفعل؟ أي اجتماع ينتهي بالعيد. وكانوا يتصلون بي كثيرًا. أولاً خطابي، ثم المأدبة. ولا يمكنك رفض الناس، فهم يشعرون بالإهانة... لكن على مدار العشرين عامًا الماضية، لم أضع قطرة من الكحول في فمي. أنا لا أشرب حتى البيرة. وبفضل الطب، ساعد.
بعد 55 عامًا. سيدي المحترم
أنت تقول: تلك الأيام الـ 49 هي الحدث الرئيسي في الحياة. نعم الحلقة مشرقة ولا يمكنك الجدال معها. لكن بعض الناس ليس لديهم ذلك. يموت الناس، كما يقولون، دون أن يولدوا. ونحن أنفسنا ليس لدينا ما نتذكره، ولا أحد يعرفهم.
ومهما قال أحدهم، فقد عاشوا بكرامة حتى بعد هذا الانجراف. لقد رماني القدر بالطبع، لكنه لم يكسرني. في الفترة من مارس/آذار 1964 إلى مايو/أيار 2005، قمت بالتجول في مياه خليج فنلندا. خدم في مكان واحد لمدة واحد وأربعين عاما. في قسم الإنقاذ في حالات الطوارئ بقاعدة لينينغراد البحرية. كما يقولون، ثلاثون دقيقة جاهزة. صحيح أنه غير السفن. في البداية عمل مع رجال الإطفاء، ثم مع الغواصين. كان هناك العديد من القصص المختلفة. ذهبت إلى عرض يوم البحرية في موسكو أربع مرات. مشينا على طول الأنهار والقنوات لمدة أحد عشر يومًا وتدربنا لمدة شهر على إيصال نفاثة من الماء بارتفاع مائة متر أمام المتفرجين من كبار الشخصيات. أحضر الأسطول الشمالي غواصة قتالية إلى العرض عمداً! لكن تلك لقصة أخرى..
خدم فيدوتوف في الأسطول النهري وأبحر على طول نهر أمور. بالمناسبة، اكتشف إيفان أن لديه ابنا عندما التقطتنا حاملة طائرات أمريكية. بعد عودته إلى موسكو والحصول على إجازة، هرع على الفور إلى الشرق الأقصى لزيارة عائلته...
بوبلافسكي، بعد تخرجه من الكلية في لومونوسوف، لم يذهب إلى أي مكان، واستقر هناك إلى الأبد. شارك في بعثات استكشافية في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي ورصد المركبات الفضائية. هو، مثل فيدوتوف، لسوء الحظ، مات بالفعل. لقد بقينا مع كريوتشكوفسكي. بعد الدراسة، طلب طوليا الانضمام إلى الأسطول الشمالي، لكنه لم يبق هناك لفترة طويلة - مرضت زوجته وانتقل إلى موطنه الأصلي أوكرانيا، كييف. لقد عمل طوال حياته في حوض بناء السفن لينينسكايا كوزنيتسا. آخر مرة رأينا بعضنا البعض كانت في عام 2007. سافرنا إلى سخالين. لقد قدموا لنا مثل هذه الهدية - لقد دعونا. بقينا لمدة أسبوع.
هل كانت عاصفة مرة أخرى؟
ليست تلك الكلمة! وفقا للبرنامج، تم التخطيط لرحلة إلى جزر الكوريل، لكن مطار إيتوروب لم يتم قبوله لمدة ثلاثة أيام. وكاد الطيارون أن يقتنعوا، لكنهم في اللحظة الأخيرة رفضوا، وقالوا: نحن لسنا منتحرين. قام اليابانيون ببناء مدرج في إيتوروب للانتحاريين: كان من المهم بالنسبة لهم الإقلاع، ولم يفكروا في الهبوط...
لذلك لم تتح لنا الفرصة أبدًا لزيارة الأماكن التي خدمنا فيها مرة أخرى. الآن لن نخرج. لا توجد صحة، ولا يوجد من يدفع ثمن الرحلة. أصيب كريوتشكوفسكي بسكتة دماغية نهاية العام الماضي، وأمضى فترة طويلة في المستشفى، كما أعمل في صيدلية، وهناك عدد لا يحصى من الأمراض المزمنة. وعلى الرغم من أنه نجا حتى بلغ السبعين من عمره، إلا أنه لم يمرض أبدًا. ليس لدي ما يكفي من المعاش التقاعدي، فأنا حارس في محطة القوارب، وأحرس اليخوت والقوارب الخاصة. أعيش مع ابنتي وحفيدتي ديما. دفن زوجته ريا منذ سبع سنوات. نتصل أحيانًا بكريوشكوفسكي ونتبادل أخبار الرجل العجوز.
هل تتحدث عن السياسة؟
أنا لا أحب هذا. وما هو هناك للمناقشة؟ كان هناك بلد واحد تم تدميره. الآن هناك حرب في أوكرانيا... ستنتهي يومًا ما، لكنني أخشى أننا لن نعيش لنرى ذلك.
هل أنت مقيم فخري في المدينة؟
نعم، ليس فقط سان فرانسيسكو... لقد تم انتخابهم في عام 2010. أولاً فلاديمير بوتين، ثم أنا. تم إصدار الشهادة رقم 2 . صحيح أن اللقب فخري حرفيًا ولا يعني أي فوائد. حتى لدفع ثمن المرافق. لكنني لا أشتكي. بمناسبة الذكرى الخمسين للدرِفت، أعطوني ثلاجة. مستورد حجم كبير...
ملاحظة. مازلت أفكر في سؤالك حول الحدث الرئيسي في حياتي. بصراحة، سيكون من الأفضل لو لم تكن موجودة، تلك الأيام التسعة والأربعين. بكل معنى الكلمة - أفضل. إذا لم يتم نقلنا إلى البحر، بعد الخدمة، كنت سأعود إلى موطني الأصلي شينتالا واستمرت في العمل كسائق جرار. كانت تلك العاصفة هي التي جعلتني بحاراً وقلبت حياتي كلها رأساً على عقب..
ومن ناحية أخرى، ما الذي سنتحدث عنه اليوم؟ نعم، ولن تأتي إلي. لا، من الغباء أن تندم.
أينما حملت، هناك، كما يقولون، حملت...
وفي عام 1960 ظهرت أغنية "عن أربعة أبطال". الموسيقى: A. Pakhmutova الكلمات: S. Grebennikov، N. Dobronravov. تم تضمين هذه الأغنية التي يؤديها كونستانتين ريابينوف وإيجور ليتوف وأوليج سوداكوف في ألبوم "بالسرعة السوفيتية" - أول ألبوم مغناطيسي لمشروع تحت الأرض السوفيتي "الشيوعية".
"الأبطال لا يولدون، الأبطال يُصنعون" - هذه الحكمة تناسب تمامًا قصة الأولاد السوفييت الأربعة الذين صدموا العالم في ربيع عام 1960.
لم يكن الشباب حريصين على الشهرة والمجد، ولم يحلموا بالمآثر، بمجرد أن قدمت لهم الحياة خيارًا: أن يصبحوا أبطالًا أو يموتوا.
يناير 1960، جزيرة إيتوروب، إحدى جزر سلسلة جبال الكوريل الجنوبية التي يحلم بها الجيران اليابانيون حتى يومنا هذا.
نظرًا للمياه الضحلة الصخرية، فإن تسليم البضائع إلى الجزيرة عن طريق السفن أمر صعب للغاية، وبالتالي فإن وظيفة نقطة إعادة الشحن، "الرصيف العائم" بالقرب من الجزيرة، تم تنفيذها بواسطة بارجة هبوط الدبابات ذاتية الدفع T-36 .
خلف العبارة الهائلة "بارجة هبوط الخزان" كانت مخبأة سفينة صغيرة يبلغ إزاحتها مائة طن، وكان طولها عند خط الماء 17 مترًا، وعرضها ثلاثة أمتار ونصف، وغاطسها - ما يزيد قليلاً عن متر. كانت السرعة القصوى للبارجة 9 عقدة، ولا يمكن للطائرة T-36 التحرك أكثر من 300 متر من الشاطئ دون مخاطر.
ومع ذلك، بالنسبة للوظائف التي تؤديها البارجة في Iturup، كانت مناسبة تمامًا. ما لم تكن هناك عاصفة في البحر بالطبع.
البارجة T-36. تأطير youtube.com
مفتقد
وفي 17 يناير 1960، حدثت الأحداث بشكل جدي. وفي حوالي الساعة التاسعة صباحًا، هبت رياح وصلت سرعتها إلى 60 مترًا في الثانية، ومزقت البارجة من مرساها وبدأت في حملها إلى البحر المفتوح.
أولئك الذين بقوا على الشاطئ لم يتمكنوا إلا من مشاهدة النضال اليائس الذي خاضه الأشخاص الذين كانوا على متن البارجة ضد البحر الغاضب. وسرعان ما اختفت T-36 عن الأنظار ...
وعندما هدأت العاصفة، بدأ البحث. تم العثور على بعض الأشياء من البارجة على الشاطئ، وخلصت القيادة العسكرية إلى أن البارجة والأشخاص الذين كانوا عليها لقوا حتفهم.
كان هناك أربعة جنود على متن الطائرة T-36 وقت اختفائها: شاب يبلغ من العمر 21 عامًا الرقيب الصغير أسخات زيغانشين، العمر 21 سنة الجندي أناتولي كريوتشكوفسكي، عمري 20 سنه الجندي فيليب بوبلافسكيو واحدة اخرى خاص، إيفان فيدوتوف البالغ من العمر 20 عامًا.
وتم إبلاغ أقارب الجنود بأن أحبائهم قد فقدوا أثناء أداء الواجب العسكري. لكن الشقق كانت لا تزال تحت المراقبة: ماذا لو لم يمت أحد المفقودين، بل هجر ببساطة؟
لكن أغلب زملاء الرفاق اعتقدوا أن الجنود لقوا حتفهم في أعماق المحيط...
ذهب مع الريح
الأربعة الذين وجدوا أنفسهم على متن الطائرة T-36 ناضلوا ضد العناصر لمدة عشر ساعات حتى هدأت العاصفة أخيرًا. تم إنفاق جميع احتياطيات الوقود الضئيلة على النضال من أجل البقاء؛ وضربت الأمواج التي يبلغ ارتفاعها 15 مترًا البارجة بشدة. الآن تم ببساطة نقلها أبعد وأبعد إلى المحيط المفتوح.
لم يكن الرقيب زيغانشين ورفاقه بحارة - لقد خدموا في قوات الهندسة والبناء، والتي تسمى بالعامية "كتائب البناء".
تم إرسالهم إلى البارجة لتفريغ سفينة الشحن التي كانت على وشك الوصول. لكن الإعصار قرر غير ذلك..
بدا الوضع الذي وجد فيه الجنود أنفسهم ميؤوسًا منه تقريبًا. لم يعد هناك وقود في البارجة، ولا يوجد اتصال بالشاطئ، وهناك تسرب في المخزن، ناهيك عن حقيقة أن T-36 ليست مناسبة على الإطلاق لمثل هذه "الرحلات".
كان الطعام الموجود على البارجة يشتمل على رغيف خبز وعلبتين من الحساء وعلبة من الدهون وعدة ملاعق من الحبوب. كان هناك أيضًا دلوان من البطاطس تناثرتا في جميع أنحاء غرفة المحرك أثناء العاصفة مما أدى إلى تشبعهما بزيت الوقود. كما انقلب خزان مياه الشرب الذي كان مختلطا جزئيا بمياه البحر. كان هناك أيضًا موقد وأعواد ثقاب وعدة عبوات من Belomor على متن السفينة.
أسرى "تيار الموت"
يبدو أن القدر يسخر منهم: عندما هدأت العاصفة، وجد أسخات زيغانشين صحيفة "كراسنايا زفيزدا" في غرفة القيادة، والتي قالت إنه في المنطقة التي تم نقلهم فيها، يجب إجراء تدريب على إطلاق الصواريخ، وبالتالي كانت المنطقة بأكملها أعلن أنها غير آمنة للملاحة.
وخلص الجنود إلى أنه لن يبحث عنهم أحد في هذا الاتجاه حتى انتهاء عملية إطلاق الصواريخ. هذا يعني أنك بحاجة إلى الصمود حتى تنتهي.
تم سحب المياه العذبة من نظام تبريد المحرك - صدئة ولكنها صالحة للاستخدام. كما تم جمع مياه الأمطار. بالنسبة للطعام، قاموا بطهي الحساء - القليل من الحساء، واثنين من البطاطس التي تفوح منها رائحة الوقود، وكمية صغيرة جدًا من الحبوب.
في مثل هذا النظام الغذائي، كان من الضروري ليس فقط البقاء على قيد الحياة، ولكن أيضًا النضال من أجل بقاء البارجة على قيد الحياة: تقطيع الجليد من الجوانب لمنعها من الانقلاب، وضخ المياه المتجمعة في المخزن.
البارجة T-36. صورة: تأطير youtube.com
نمنا على سرير واحد واسع صنعناه بأنفسنا، متعانقين معًا للحفاظ على الدفء.
ولم يعلم الجنود أن التيار الذي يحملهم أبعد وأبعد عن المنزل يسمى "تيار الموت". لقد حاولوا عموما عدم التفكير في الأسوأ، لأن مثل هذه الأفكار يمكن أن تؤدي بسهولة إلى اليأس.
رشفة من الماء وقطعة من الحذاء
يومًا بعد يوم، وأسبوعًا بعد أسبوع... يتناقص الطعام والماء. ذات مرة، تذكر الرقيب زيغانشين قصة أحد المعلمين عن البحارة الذين كانوا في محنة ويعانون من الجوع. هؤلاء البحارة طبخوا وأكلوا الأشياء الجلدية. كان حزام الرقيب من الجلد.
أولاً، قاموا بغلي الحزام، وتفتيته إلى شعرية، ثم حزام الراديو المكسور وغير العامل، ثم بدأوا في أكل الأحذية، ومزقوا وأكلوا الجلد من الأكورديون الذي كان على متن الطائرة...
وكان الوضع مع الماء سيئا للغاية. بالإضافة إلى الحساء، حصل الجميع على رشفة منه. مرة كل يومين.
تم غلي آخر حبة بطاطس وتناولها في 23 فبراير، يوم الجيش السوفييتي. بحلول ذلك الوقت، أضيفت الهلوسة السمعية إلى آلام الجوع والعطش. بدأ إيفان فيدوتوف يعاني من نوبات الخوف. لقد دعمه رفاقه قدر استطاعتهم وقاموا بتهدئته.
خلال فترة الانجراف بأكملها، لم يحدث أي شجار أو صراع في الأربعة. حتى عندما لم تكن هناك قوة متبقية عمليًا، لم يحاول أحد أن يأخذ الطعام أو الماء من رفيق من أجل البقاء على قيد الحياة. لقد اتفقنا للتو: آخر شخص بقي على قيد الحياة، قبل أن يموت، سيترك على البارجة سجلاً لكيفية وفاة طاقم T-36 ...
"شكرا لك، نحن أنفسنا!"
في 2 مارس، رأوا لأول مرة سفينة تمر من بعيد، لكن يبدو أنهم أنفسهم لم يصدقوا أنها ليست سرابًا أمامهم. في 6 مارس، ظهرت سفينة جديدة في الأفق، لكن إشارات المساعدة اليائسة التي أرسلها الجنود لم تُلاحظ عليها.
في 7 مارس 1960، اكتشفت مجموعة جوية من يو إس إس كيرسارج البارجة T-36 على بعد حوالي ألف ميل شمال غرب جزيرة ميدواي. سافرت البارجة نصف المغمورة، والتي لا ينبغي أن تكون على بعد أكثر من 300 متر من الساحل، أكثر من ألف ميل عبر المحيط الهادئ، وتغطي نصف المسافة من جزر الكوريل إلى هاواي.
الجنديان فيليب بوبلافسكي (يسار) وأسكات زيغانشين (في الوسط) يتحدثان مع بحار أمريكي (على اليمين) على متن حاملة الطائرات كيرسارج، التي نقلتهما على متنها بعد انجراف طويل على متن بارجة. الصورة: ريا نوفوستي
في الدقائق الأولى لم يفهم الأمريكيون: ما هي بالضبط المعجزة التي أمامهم وأي نوع من الناس كانوا يبحرون عليها؟
لكن البحارة من حاملة الطائرات تعرضوا لصدمة أكبر عندما قال الرقيب زيجانشين، الذي تم تسليمه من البارجة بطائرة هليكوبتر: كل شيء على ما يرام معنا، نحتاج إلى الوقود والطعام، وسنبحر إلى المنزل بأنفسنا.
في الواقع، بالطبع، لم يعد الجنود قادرين على السباحة في أي مكان. كما قال الأطباء في وقت لاحق، لم يكن لدى الأربعة سوى القليل من الوقت للعيش: كان من الممكن أن يحدث الموت من الإرهاق في الساعات القادمة. وبحلول ذلك الوقت لم يكن لدى T-36 سوى حذاء واحد وثلاث أعواد ثقاب متبقية.
لم يتعجب الأطباء الأمريكيون من مرونة الجنود السوفييت فحسب، بل أيضًا من انضباطهم الذاتي المذهل: عندما بدأ طاقم حاملة الطائرات في تقديم الطعام لهم، أكلوا قليلاً وتوقفوا. ولو أنهم أكلوا أكثر لماتوا على الفور، كما مات كثيرون ممن نجوا من مجاعة طويلة.
أبطال أم خونة؟
على متن حاملة الطائرات، عندما أصبح من الواضح أنه تم إنقاذهم، تخلى الجنود أخيرًا عن قوتهم - طلب زيغانشين ماكينة حلاقة، لكنه أغمي عليه بالقرب من حوض الغسيل. كان على بحارة Kearsarge أن يحلقوا له ولرفاقه.
عندما نام الجنود، بدأوا يتعذبون بسبب خوف من نوع مختلف تمامًا - كانت هناك حرب باردة في الخارج، ولم يساعدهم أحد، بل "عدو محتمل". بالإضافة إلى ذلك، سقطت البارجة السوفيتية في أيدي الأمريكيين.
تم تصوير الجنود السوفييت أشكات زيغانشين، وفيليب بوبلافسكي، وأناتولي كريوتشكوفسكي، وإيفان فيدوتوف، الذين انجرفوا على متن بارجة في الفترة من 17 يناير إلى 7 مارس 1960، أثناء رحلة في مدينة سان فرانسيسكو. صورة: تأطير youtube.com
بالمناسبة، لم يستطع قبطان "Kearsarge" أن يفهم سبب مطالبة الجنود بحماسة شديدة بتحميل هذا الحوض الصدئ على متن حاملة الطائرات؟ ولطمأنتهم أبلغهم أن سفينة أخرى ستسحب البارجة إلى الميناء.
في الواقع، قام الأمريكيون بإغراق T-36 - ليس بسبب الرغبة في إيذاء الاتحاد السوفييتي، ولكن لأن البارجة نصف المغمورة كانت تشكل تهديدًا للشحن.
يُحسب للجيش الأمريكي أنهم تصرفوا بشرف شديد تجاه الجنود السوفييت. ولم يعذبهم أحد بالأسئلة والاستجوابات، علاوة على ذلك، تم تعيين حراس للكبائن التي يعيشون فيها حتى لا يزعجهم الفضوليون.
لكن الجنود كانوا قلقين بشأن ما سيقولونه في موسكو. وموسكو، بعد أن تلقت أخبارا من الولايات المتحدة، ظلت صامتة لبعض الوقت. وهذا أمر مفهوم: ففي الاتحاد السوفييتي انتظروا ليروا ما إذا كان أولئك الذين تم إنقاذهم سيطلبون اللجوء السياسي في أمريكا، حتى لا يقعوا في مشاكل مع تصريحاتهم.
عندما أصبح من الواضح أن الجيش لن "يختار الحرية"، تم الحديث عن إنجاز رباعي زيغانشين في التلفزيون والراديو والصحف، ومن قبل الزعيم السوفيتي نفسه. نيكيتا خروتشوفأرسل لهم برقية ترحيبية.
"كيف طعم الأحذية؟"
وعقد المؤتمر الصحفي الأول للأبطال على متن حاملة الطائرات، حيث تم نقل نحو خمسين صحفيا بطائرة هليكوبتر. كان لا بد من الانتهاء منه في وقت مبكر: بدأ أنف أسكات زيغانشين ينزف.
في وقت لاحق، عقد الرجال الكثير من المؤتمرات الصحفية، وفي كل مكان تقريبًا طرحوا نفس السؤال:
- كيف طعم الأحذية؟
"الجلد مرير للغاية وله رائحة كريهة. هل كانت حقا مسألة ذوق في ذلك الوقت؟ أردت شيئًا واحدًا فقط: خداع معدتي. لكن لا يمكنك أن تأكل الجلد فقط: فهو قاسٍ للغاية. لذلك قطعنا قطعة صغيرة وأشعلنا فيها النار. وعندما احترق القماش المشمع تحول إلى ما يشبه الفحم وأصبح طريًا. ننشر هذا "الطعام الشهي" بالدهن لتسهيل البلع. يتذكر أناتولي كريوتشكوفسكي لاحقًا أن العديد من هذه "السندويشات" كانت تشكل نظامنا الغذائي اليومي.
بالفعل في المنزل، سأل تلاميذ المدارس نفس السؤال. قال فيليب بوبلافسكي مازحًا ذات مرة: "جربها بنفسك". وأتساءل كم عدد الأحذية التي لحامها الأولاد التجريبيون في الستينيات بعد ذلك؟
بحلول الوقت الذي وصلت فيه حاملة الطائرات إلى سان فرانسيسكو، أصبح أبطال الرحلة الفريدة، التي استمرت، بحسب الرواية الرسمية، 49 يومًا، أقوى قليلاً. استقبلتهم أمريكا بحماس - فقد قدم لهم عمدة سان فرانسيسكو "المفتاح الذهبي" للمدينة.
الجنود السوفييت الذين انجرفوا على متن بارجة في الفترة من 17 يناير إلى 7 مارس 1960 (من اليسار إلى اليمين): أسكات زيغانشين، فيليب بوبلافسكي، أناتولي كريوتشكوفسكي، إيفان فيدوتوف. تصوير: ريا نوفوستي/ رودولف كوتشيروف
"إيتوروب الأربعة"
ارتدى المضيفون المضيافون الجنود ببدلات على أحدث صيحات الموضة، ووقع الأمريكيون حرفيًا في حب الأبطال الروس. في الصور التي تم التقاطها في ذلك الوقت، تبدو رائعة حقًا - مثل Fab Four.
أعجب الخبراء: الشباب السوفييت في وضع حرج لم يفقدوا مظهرهم البشري، ولم يصبحوا وحشيين، ولم يدخلوا في صراعات، ولم ينزلقوا إلى أكل لحوم البشر، كما حدث مع العديد من أولئك الذين وجدوا أنفسهم في ظروف مماثلة.
وتفاجأ السكان العاديون في الولايات المتحدة وهم ينظرون إلى الصورة: هل هؤلاء أعداء؟ أحلى الرجال، خجولون بعض الشيء، مما يزيد من سحرهم. بشكل عام، أثناء إقامتهم في الولايات المتحدة، فعل أربعة جنود من أجل صورة الاتحاد السوفييتي أكثر من جميع الدبلوماسيين.
بالمناسبة، أما بالنسبة للمقارنات مع "فاب فور"، فإن زيغانشين ورفاقه لم يغنوا، لكنهم تركوا بصمة في تاريخ الموسيقى الروسية بمساعدة مقطوعة موسيقية تسمى "زيغانشين-بوجي".
قام الرجال المحليون، الذين تم تمجيدهم الآن في الأفلام، بإنشاء أغنية تعتمد على "Rockaround the Clock"، مخصصة لانجراف T-36:
كما هو الحال في المحيط الهادئ
بارجة مع الرجال تغرق.
الرجال لا يشعرون بالإحباط
يرمون الصخور على سطح السفينة.
صخرة زيغانشين، رقصة زيغانشين،
زيغانشين هو رجل من كالوغا،
زيغانشين-بوجي، زيغانشين-روك،
أكل زيغانشين حذائه.
بوبلافسكي روك، بوبلافسكي الرقصة،
أكل بوبلافسكي رسالة من صديقه،
بينما كشر بوبلافسكي عن أسنانه،
أكل Ziganshin صندله.
الأيام تطفو، والأسابيع تطفو،
والسفينة تطفو على الأمواج،
لقد تم بالفعل تناول الأحذية في الحساء
ومع الأكورديون في النصف ...
بالطبع، تأليف مثل هذه الروائع أسهل بكثير من البقاء في مثل هذه الظروف. لكن المخرجين المعاصرين أقرب إلى الرجال.
يأتي المجد ويذهب المجد..
عند عودتهم إلى اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، تلقى الأبطال حفل استقبال على أعلى مستوى - تم تنظيم مسيرة على شرفهم، واستقبل نيكيتا خروتشوف الجنود شخصيًا و وزير الدفاع روديون مالينوفسكي.
حصل الأربعة على وسام النجمة الحمراء، وتم إنتاج فيلم عن رحلتهم، وتم تأليف العديد من الكتب...
بدأت شعبية الأربعة من البارجة T-36 تتضاءل فقط في نهاية الستينيات.
بعد فترة وجيزة من العودة إلى وطنهم، تم تسريح الجنود: لاحظ روديون مالينوفسكي أن الرجال قضوا وقتهم بالكامل.
التحق فيليب بوبلافسكي وأناتولي كريوتشكوفسكي وأسخات زيغانشين، بناءً على توصية القيادة، بمدرسة لينينغراد الثانوية الفنية البحرية، وتخرجوا منها في عام 1964.
عاد إيفان فيدوتوف، وهو رجل من ضفاف نهر أمور، إلى منزله وعمل كرجل نهر طوال حياته. توفي عام 2000.
عمل فيليب بوبلافسكي، الذي استقر بالقرب من لينينغراد، بعد تخرجه من الكلية، على متن سفن بحرية كبيرة وقام برحلات إلى الخارج. توفي عام 2001.
يعيش أناتولي كريوتشكوفسكي في كييف، وعمل لسنوات عديدة كنائب كبير الميكانيكيين في مصنع لينينسكايا كوزنيتسا في كييف.
بعد تخرجه من الكلية، انضم أسكات زيغانشين إلى فرقة الإنقاذ للطوارئ كميكانيكي في مدينة لومونوسوف بالقرب من لينينغراد، وتزوج وأنجب ابنتين جميلتين. بعد تقاعده، استقر في سان بطرسبرج.
لم يكونوا حريصين على الشهرة ولم يقلقوا عندما اختفت الشهرة التي لمستهم لعدة سنوات وكأنها لم تكن موجودة من قبل.
لكنهم سيبقون أبطالاً إلى الأبد.
ملاحظة: وفقًا للرواية الرسمية، كما ذكرنا سابقًا، استمر انجراف T-36 لمدة 49 يومًا. ومع ذلك، فإن التحقق من التواريخ يعطي نتيجة مختلفة - 51 يومًا. هناك عدة تفسيرات لهذه الحادثة. وبحسب الأكثر شعبية، فإن الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف كان أول من تحدث عن "49 يومًا". ولم يجرؤ أحد رسميًا على الطعن في البيانات التي عبر عنها.
بعد الانجراف لمدة 49 يومًا في المحيط الهادئ على بارجة معيبة نصف غارقة، قال الجنود السوفييت المنهكون للبحارة الأمريكيين: نحتاج فقط إلى الوقود والغذاء، وسنبحر إلى الوطن بأنفسنا... "الأبطال لا يولدون، الأبطال "صنعت" - لا يمكن لهذه الحكمة أن تتناسب بشكل أفضل مع قصة الأولاد السوفييت الأربعة الذين صدموا العالم في ربيع عام 1960.
لم يكن الشباب حريصين على الشهرة والمجد، ولم يحلموا بالمآثر، بمجرد أن قدمت لهم الحياة خيارًا: أن يصبحوا أبطالًا أو يموتوا.
يناير 1960، جزيرة إيتوروب، إحدى جزر سلسلة جبال الكوريل الجنوبية التي يحلم بها الجيران اليابانيون حتى يومنا هذا.
نظرًا للمياه الضحلة الصخرية، فإن تسليم البضائع إلى الجزيرة عن طريق السفن أمر صعب للغاية، وبالتالي فإن وظيفة نقطة إعادة الشحن، "الرصيف العائم" بالقرب من الجزيرة، تم تنفيذها بواسطة بارجة هبوط الدبابات ذاتية الدفع T-36 .
خلف العبارة الهائلة "بارجة هبوط الخزان" كانت مخبأة سفينة صغيرة يبلغ إزاحتها مائة طن، ويبلغ طولها على طول خط الماء 17 مترًا، وعرضها ثلاثة أمتار ونصف، وغاطسها يزيد قليلاً عن متر. كانت السرعة القصوى للبارجة 9 عقدة، ولا يمكن للطائرة T-36 التحرك أكثر من 300 متر من الشاطئ دون مخاطر.
ومع ذلك، بالنسبة للوظائف التي تؤديها البارجة في Iturup، كانت مناسبة تمامًا. ما لم تكن هناك عاصفة في البحر بالطبع.
وفي 17 يناير 1960، حدثت الأحداث بشكل جدي. وفي حوالي الساعة التاسعة صباحًا، هبت رياح وصلت سرعتها إلى 60 مترًا في الثانية، ومزقت البارجة من مرساها وبدأت في حملها إلى البحر المفتوح.
أولئك الذين بقوا على الشاطئ لم يتمكنوا إلا من مشاهدة النضال اليائس الذي خاضه الأشخاص الذين كانوا على متن البارجة ضد البحر الغاضب. وسرعان ما اختفت T-36 عن الأنظار ...
وعندما هدأت العاصفة، بدأ البحث. تم العثور على بعض الأشياء من البارجة على الشاطئ، وخلصت القيادة العسكرية إلى أن البارجة والأشخاص الذين كانوا عليها لقوا حتفهم.
وكان هناك أربعة جنود على متن الطائرة T-36 وقت اختفائها: الرقيب أسخات زيغانشين البالغ من العمر 21 عامًا، والجندي أناتولي كريوتشكوفسكي البالغ من العمر 21 عامًا، والجندي فيليب بوبلافسكي البالغ من العمر 20 عامًا، وجندي آخر يبلغ من العمر 20 عامًا. إيفان فيدوتوف البالغ من العمر عامًا.
وتم إبلاغ أقارب الجنود بأن أحبائهم قد فقدوا أثناء أداء الواجب العسكري. لكن الشقق كانت لا تزال تحت المراقبة: ماذا لو لم يمت أحد المفقودين، بل هجر ببساطة؟
لكن أغلب زملاء الرفاق اعتقدوا أن الجنود لقوا حتفهم في أعماق المحيط...
الأربعة الذين وجدوا أنفسهم على متن الطائرة T-36 ناضلوا ضد العناصر لمدة عشر ساعات حتى هدأت العاصفة أخيرًا. تم إنفاق جميع احتياطيات الوقود الضئيلة على النضال من أجل البقاء؛ وضربت الأمواج التي يبلغ ارتفاعها 15 مترًا البارجة بشدة. الآن تم ببساطة نقلها أبعد وأبعد إلى المحيط المفتوح.
لم يكن الرقيب زيغانشين ورفاقه بحارة - لقد خدموا في قوات الهندسة والبناء، والتي تسمى بالعامية "كتائب البناء".
تم إرسالهم إلى البارجة لتفريغ سفينة الشحن التي كانت على وشك الوصول. لكن الإعصار قرر غير ذلك..
بدا الوضع الذي وجد فيه الجنود أنفسهم ميؤوسًا منه تقريبًا. لم يعد هناك وقود في البارجة، ولا يوجد اتصال بالشاطئ، وهناك تسرب في المخزن، ناهيك عن حقيقة أن T-36 ليست مناسبة على الإطلاق لمثل هذه "الرحلات".
كان الطعام الموجود على البارجة يشتمل على رغيف خبز وعلبتين من الحساء وعلبة من الدهون وعدة ملاعق من الحبوب. كان هناك أيضًا دلوان من البطاطس تناثرتا في جميع أنحاء غرفة المحرك أثناء العاصفة مما أدى إلى تشبعهما بزيت الوقود. كما انقلب خزان مياه الشرب الذي كان مختلطا جزئيا بمياه البحر. كان هناك أيضًا موقد وأعواد ثقاب وعدة عبوات من Belomor على متن السفينة.
يبدو أن القدر يسخر منهم: عندما هدأت العاصفة، وجد أسخات زيغانشين صحيفة "كراسنايا زفيزدا" في غرفة القيادة، والتي قالت إنه في المنطقة التي تم نقلهم فيها، يجب إجراء تدريب على إطلاق الصواريخ، وبالتالي كانت المنطقة بأكملها أعلن أنها غير آمنة للملاحة.
وخلص الجنود إلى أنه لن يبحث عنهم أحد في هذا الاتجاه حتى انتهاء عملية إطلاق الصواريخ. هذا يعني أنك بحاجة إلى الصمود حتى تنتهي.
تم سحب المياه العذبة من نظام تبريد المحرك - صدئة ولكنها صالحة للاستخدام. كما تم جمع مياه الأمطار. بالنسبة للطعام، قاموا بطهي الحساء - القليل من الحساء، واثنين من البطاطس التي تفوح منها رائحة الوقود، وكمية صغيرة جدًا من الحبوب.
في مثل هذا النظام الغذائي، كان من الضروري ليس فقط البقاء على قيد الحياة، ولكن أيضًا النضال من أجل بقاء البارجة على قيد الحياة: تقطيع الجليد من الجوانب لمنعها من الانقلاب، وضخ المياه المتجمعة في المخزن.
نمنا على سرير واحد واسع صنعناه بأنفسنا، متعانقين معًا للحفاظ على الدفء.
ولم يعلم الجنود أن التيار الذي يحملهم أبعد وأبعد عن المنزل يسمى "تيار الموت". لقد حاولوا عموما عدم التفكير في الأسوأ، لأن مثل هذه الأفكار يمكن أن تؤدي بسهولة إلى اليأس.
يومًا بعد يوم، وأسبوعًا بعد أسبوع... يتناقص الطعام والماء. ذات مرة، تذكر الرقيب زيغانشين قصة أحد المعلمين عن البحارة الذين كانوا في محنة ويعانون من الجوع. هؤلاء البحارة طبخوا وأكلوا الأشياء الجلدية. كان حزام الرقيب من الجلد.
أولاً، قاموا بغلي الحزام، وتفتيته إلى شعرية، ثم حزام الراديو المكسور وغير العامل، ثم بدأوا في أكل الأحذية، ومزقوا وأكلوا الجلد من الأكورديون الذي كان على متن الطائرة...
وكان الوضع مع الماء سيئا للغاية. بالإضافة إلى الحساء، حصل الجميع على رشفة منه. مرة كل يومين.
تم غلي آخر حبة بطاطس وتناولها في 23 فبراير، يوم الجيش السوفييتي. بحلول ذلك الوقت، أضيفت الهلوسة السمعية إلى آلام الجوع والعطش. بدأ إيفان فيدوتوف يعاني من نوبات الخوف. لقد دعمه رفاقه قدر استطاعتهم وقاموا بتهدئته.
خلال فترة الانجراف بأكملها، لم يحدث أي شجار أو صراع في الأربعة. حتى عندما لم تكن هناك قوة متبقية عمليًا، لم يحاول أحد أن يأخذ الطعام أو الماء من رفيق من أجل البقاء على قيد الحياة. لقد اتفقنا للتو: آخر شخص بقي على قيد الحياة، قبل أن يموت، سيترك على البارجة سجلاً لكيفية وفاة طاقم T-36 ...
في 2 مارس، رأوا لأول مرة سفينة تمر من بعيد، لكن يبدو أنهم أنفسهم لم يصدقوا أنها ليست سرابًا أمامهم. في 6 مارس، ظهرت سفينة جديدة في الأفق، لكن إشارات المساعدة اليائسة التي أرسلها الجنود لم تُلاحظ عليها.
في 7 مارس 1960، اكتشفت مجموعة جوية من يو إس إس كيرسارج البارجة T-36 على بعد حوالي ألف ميل شمال غرب جزيرة ميدواي. سافرت البارجة نصف المغمورة، والتي لا ينبغي أن تكون على بعد أكثر من 300 متر من الساحل، أكثر من ألف ميل عبر المحيط الهادئ، وتغطي نصف المسافة من جزر الكوريل إلى هاواي.
في الدقائق الأولى لم يفهم الأمريكيون: ما هي بالضبط المعجزة التي أمامهم وأي نوع من الناس كانوا يبحرون عليها؟
لكن البحارة من حاملة الطائرات تعرضوا لصدمة أكبر عندما قال الرقيب زيجانشين، الذي تم تسليمه من البارجة بطائرة هليكوبتر: كل شيء على ما يرام معنا، نحتاج إلى الوقود والطعام، وسنبحر إلى المنزل بأنفسنا.
في الواقع، بالطبع، لم يعد الجنود قادرين على السباحة في أي مكان. كما قال الأطباء في وقت لاحق، لم يكن لدى الأربعة سوى القليل من الوقت للعيش: كان من الممكن أن يحدث الموت من الإرهاق في الساعات القادمة. وبحلول ذلك الوقت لم يكن لدى T-36 سوى حذاء واحد وثلاث أعواد ثقاب متبقية.
لم يتعجب الأطباء الأمريكيون من مرونة الجنود السوفييت فحسب، بل أيضًا من انضباطهم الذاتي المذهل: عندما بدأ طاقم حاملة الطائرات في تقديم الطعام لهم، أكلوا قليلاً وتوقفوا. ولو أنهم أكلوا أكثر لماتوا على الفور، كما مات كثيرون ممن نجوا من مجاعة طويلة.
على متن حاملة الطائرات، عندما أصبح من الواضح أنه تم إنقاذهم، تخلى الجنود أخيرًا عن قوتهم - طلب زيغانشين ماكينة حلاقة، لكنه أغمي عليه بالقرب من حوض الغسيل. كان على بحارة Kearsarge أن يحلقوا له ولرفاقه.
عندما نام الجنود، بدأوا يتعذبون بسبب خوف من نوع مختلف تمامًا - كانت هناك حرب باردة في الخارج، ولم يساعدهم أحد، بل "عدو محتمل". بالإضافة إلى ذلك، سقطت البارجة السوفيتية في أيدي الأمريكيين.
تم تصوير الجنود السوفييت أشكات زيغانشين، وفيليب بوبلافسكي، وأناتولي كريوتشكوفسكي، وإيفان فيدوتوف، الذين انجرفوا على متن بارجة في الفترة من 17 يناير إلى 7 مارس 1960، أثناء رحلة في مدينة سان فرانسيسكو
بالمناسبة، لم يستطع قبطان "Kearsarge" أن يفهم سبب مطالبة الجنود بحماسة شديدة بتحميل هذا الحوض الصدئ على متن حاملة الطائرات؟ ولطمأنتهم أبلغهم أن سفينة أخرى ستسحب البارجة إلى الميناء.
في الواقع، قام الأمريكيون بإغراق T-36 - ليس بسبب الرغبة في إيذاء الاتحاد السوفييتي، ولكن لأن البارجة نصف المغمورة كانت تشكل تهديدًا للشحن.
يُحسب للجيش الأمريكي أنهم تصرفوا بشرف شديد تجاه الجنود السوفييت. ولم يعذبهم أحد بالأسئلة والاستجوابات، علاوة على ذلك، تم تعيين حراس للكبائن التي يعيشون فيها حتى لا يزعجهم الفضوليون.
لكن الجنود كانوا قلقين بشأن ما سيقولونه في موسكو. وموسكو، بعد أن تلقت أخبارا من الولايات المتحدة، ظلت صامتة لبعض الوقت. وهذا أمر مفهوم: ففي الاتحاد السوفييتي انتظروا ليروا ما إذا كان أولئك الذين تم إنقاذهم سيطلبون اللجوء السياسي في أمريكا، حتى لا يقعوا في مشاكل مع تصريحاتهم.
عندما أصبح من الواضح أن الجيش لن "يختار الحرية"، بدأوا يتحدثون عن إنجاز زيغانشين الأربعة على شاشات التلفزيون والراديو والصحف، وأرسل لهم الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف نفسه برقية ترحيب.
وعقد المؤتمر الصحفي الأول للأبطال على متن حاملة الطائرات، حيث تم نقل نحو خمسين صحفيا بطائرة هليكوبتر. كان لا بد من الانتهاء منه في وقت مبكر: بدأ أنف أسكات زيغانشين ينزف.
في وقت لاحق، عقد الرجال الكثير من المؤتمرات الصحفية، وفي كل مكان تقريبًا طرحوا نفس السؤال:
كيف طعم الأحذية؟
"الجلد مرير للغاية وله رائحة كريهة. هل كانت حقا مسألة ذوق في ذلك الوقت؟ أردت شيئًا واحدًا فقط: خداع معدتي. لكن لا يمكنك أن تأكل الجلد فقط: فهو قاسٍ للغاية. لذلك قطعنا قطعة صغيرة وأشعلنا فيها النار. وعندما احترق القماش المشمع تحول إلى ما يشبه الفحم وأصبح طريًا. ننشر هذا "الطعام الشهي" بالدهن لتسهيل البلع. يتذكر أناتولي كريوتشكوفسكي لاحقًا أن العديد من هذه "السندويشات" كانت تشكل نظامنا الغذائي اليومي.
بالفعل في المنزل، سأل تلاميذ المدارس نفس السؤال. قال فيليب بوبلافسكي مازحًا ذات مرة: "جربها بنفسك". وأتساءل كم عدد الأحذية التي لحامها الأولاد التجريبيون في الستينيات بعد ذلك؟
بحلول الوقت الذي وصلت فيه حاملة الطائرات إلى سان فرانسيسكو، أصبح أبطال الرحلة الفريدة، التي استمرت، بحسب الرواية الرسمية، 49 يومًا، أقوى قليلاً. استقبلتهم أمريكا بحماس - فقد قدم لهم عمدة سان فرانسيسكو "المفتاح الذهبي" للمدينة.
ارتدى المضيفون المضيافون الجنود ببدلات على أحدث صيحات الموضة، ووقع الأمريكيون حرفيًا في حب الأبطال الروس. في الصور التي تم التقاطها في ذلك الوقت، تبدو رائعة حقًا - مثل Fab Four.
أعجب الخبراء: الشباب السوفييت في وضع حرج لم يفقدوا مظهرهم البشري، ولم يصبحوا وحشيين، ولم يدخلوا في صراعات، ولم ينزلقوا إلى أكل لحوم البشر، كما حدث مع العديد من أولئك الذين وجدوا أنفسهم في ظروف مماثلة.
وتفاجأ السكان العاديون في الولايات المتحدة وهم ينظرون إلى الصورة: هل هؤلاء أعداء؟ أحلى الرجال، خجولون بعض الشيء، مما يزيد من سحرهم. بشكل عام، أثناء إقامتهم في الولايات المتحدة، فعل أربعة جنود من أجل صورة الاتحاد السوفييتي أكثر من جميع الدبلوماسيين.
عند عودتهم إلى اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، تلقى الأبطال حفل استقبال على أعلى مستوى - تم تنظيم مسيرة على شرفهم، واستقبل الجنود شخصيا نيكيتا خروتشوف ووزير الدفاع روديون مالينوفسكي. وتم تسريح الجنود قائلين إن الرجال قضوا فترة محكوميتهم كاملة.
حصل الأربعة على وسام النجمة الحمراء، وتم إنتاج فيلم عن رحلتهم، وتم تأليف العديد من الكتب...
التحق فيليب بوبلافسكي وأناتولي كريوتشكوفسكي وأسخات زيغانشين، بناءً على توصية القيادة، بمدرسة لينينغراد الثانوية الفنية البحرية، وتخرجوا منها في عام 1964.
عاد إيفان فيدوتوف، وهو رجل من ضفاف نهر أمور، إلى منزله وعمل كرجل نهر طوال حياته. توفي عام 2000.
عمل فيليب بوبلافسكي، الذي استقر بالقرب من لينينغراد، بعد تخرجه من الكلية، على متن سفن بحرية كبيرة وقام برحلات إلى الخارج. توفي عام 2001.
يعيش أناتولي كريوتشكوفسكي في كييف، وعمل لسنوات عديدة كنائب كبير الميكانيكيين في مصنع لينينسكايا كوزنيتسا في كييف.
بعد تخرجه من الكلية، انضم أسكات زيغانشين إلى فرقة الإنقاذ للطوارئ كميكانيكي في مدينة لومونوسوف بالقرب من لينينغراد، وتزوج وأنجب ابنتين جميلتين. بعد تقاعده، استقر في سان بطرسبرج.
لم يكونوا حريصين على الشهرة ولم يقلقوا عندما اختفت الشهرة التي لمستهم لعدة سنوات وكأنها لم تكن موجودة من قبل. لكنهم سيبقون أبطالاً إلى الأبد.
ملاحظة: وفقًا للرواية الرسمية، كما ذكرنا سابقًا، استمر انجراف T-36 لمدة 49 يومًا. ومع ذلك، فإن التحقق من التواريخ يعطي نتيجة مختلفة - 51 يومًا. هناك عدة تفسيرات لهذه الحادثة. وبحسب الأكثر شعبية، فإن الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف كان أول من تحدث عن "49 يومًا". ولم يجرؤ أحد رسميًا على تحدي البيانات التي عبر عنها.
في 17 يناير 1960، تلقى رئيس أركان أسطول المحيط الهادئ تقريرا عاجلا: " في 1 يناير 1960، الساعة 09:00 بالتوقيت المحلي، نتيجة لعاصفة قوية، انفصلت البارجة ذاتية الدفع T-36 عن مرساها في خليج جزيرة إيتوروب. لا يوجد اتصال مع السفينة. ويتكون الطاقم على متن الطائرة من: الرقيب الصغير أسخات زيغانشين، والجنود فيليب بوبلافسكي، وإيفان فيدوتوف، وأناتولي كريوتشكوفسكي." آخر صورة شعاعية تم تلقيها من البارجة كانت كما يلي: " نحن في محنة، ولا نستطيع الوصول إلى الشاطئ».
الهبوط قارب، بقيادة Askhat Ziganshin، لم يكن مخصصًا للإبحار في المحيط المفتوح، بل تم استخدامه للشحن، ولم يتم تسميته حتى. كان أفراد طاقم هذه السفينة جنودًا عاديين تم تعيينهم في الموقع الحدودي الموجود في الجزيرة. قامت السفينة بتسليم الطعام والذخيرة من السفن التي لم تتمكن من الرسو قبالة الشاطئ الصخري لجزيرة إيتوروب. في الطقس الجيد، يمكن رؤية اليابان من هذه الجزيرة، لذا فإن أي حادث، حتى الأكثر أهمية، اكتسب شخصية استراتيجية.
بارجة و"تي-36"
لم يحذر أحد الطاقم من اقتراب الإعصار. في الساعة التاسعة صباحا بارجةأصيبت T-36 بإعصار. وصلت سرعة الرياح إلى 60 مترًا في الثانية. لقد كسر الكابل الفولاذي الذي قارب صغيرراسية على سارية سفينة يابانية غرقت في الخليج. دفع الإعصار أمواجًا بارتفاع خمسة عشر مترًا إلى الجزيرة. أصابت ضربة أحدهم غرفة التحكم وحطمت محطة الراديو. لم يتم استقبال إشارة SOS على الشاطئ. هكذا بدأت إحدى أعلى الأوديسات في القرن العشرين في جزر الكوريل.
حاول الطاقم رمي البارجة إلى الشاطئ ثلاث مرات، ولكن في كل مرة تم حملها مباشرة على الصخور. إحدى هذه المحاولات الفاشلة انتهت بحفرة. بالقرب من الشاطئ، ارتفعت الموجة مثل الجدار وألقته على الحجارة من ارتفاع مبنى مكون من خمسة طوابق. تمكن الطاقم بأعجوبة من تجنب الكارثة. بحلول الساعة 20:00 صغير إناءغسلها في المحيط المفتوح. جلس فريق من شخصين على محركات الديزل وقاموا بالإحماء دون أن يفقدوا الأمل. لقد اعتقدوا أن البلاد، مثل "تشيليوسكين"، لن تتركهم في ورطة.
وعندما هدأت الريح قليلاً، قامت فصيلة من الجنود بتمشيط الشاطئ. تم العثور على بقايا برميل مياه للشرب من سطح السفينة، كما تم اكتشاف لوحة مكتوب عليها بوضوح "T-36". وفي خلط بين الأسماء والألقاب، سارعت قيادة أسطول المحيط الهادئ إلى إرسال برقيات إلى أقارب "المفقودين"، لإبلاغهم بوفاتهم. ولم يتم إرسال طائرة أو سفينة واحدة إلى منطقة الكارثة. حتى الآن، لم يُقال علناً إن السبب في ذلك لم يكن الظروف الجوية، بل ظروف مختلفة تماماً: السياسة العالمية تدخلت في مصير الجنود الأربعة.
صاروخ آر-7
في الثاني من يناير عام 1960، استدعى نيكيتا خروتشوف كبار مطوري تكنولوجيا الصواريخ إلى الكرملين. وكان مستعجلاً لإطلاق أول قمر صناعي لأول مرة في التاريخ ولتجسيد شعاره المفضل: “ اللحاق بأمريكا وتجاوزها" ولكن وفقا لبيانات المخابرات، تخطط الولايات المتحدة لإطلاق رجل إلى الفضاء العام المقبل. وفي يناير/كانون الثاني 1960، بدا كل شيء، باستثناء تكنولوجيا الصواريخ، ثانوياً بالنسبة للزعيم السوفييتي.
في اليوم الثاني من الانجراف الطاقم الصنادلواصلت "T-36" النضال من أجل بقاء السفينة. كان علينا أن نتخلص باستمرار من الجليد المتجمد. كان الأشخاص المؤسفون يأملون ألا يؤدي العمود التالي إلى قلب القارب ذي القاع المسطح. كان من المستحيل النوم: فقد تدحرجت الأمواج الناس من جانب إلى آخر.
المشاركون في الانجراف المحيط الهادئ T-36
أسكات زيغانشين
أناتولي كريوتشكوفسكي
إيفان فيدوتوف
فيليب بوبلافسكي
ولم تهدأ العاصفة لليوم الثالث. عثر زيغانشين على مقال في الصحيفة " نجمة حمراء» بشأن إجراء تجارب صاروخية للصواريخ الباليستية لإطلاق الأقمار الصناعية الثقيلة والرحلات بين الكواكب في الساحة التي يوجد بها قارب صغير. كان من المفترض أن تتم عمليات الإطلاق الأولى تقريبًا في الفترة من 15 يناير إلى 15 فبراير. ولم يكن سوى الخبراء العسكريين يعرفون أن الصواريخ الباليستية المذكورة في تقرير تاس لم تكن مخصصة للأقمار الصناعية، بل لحامل جديد للأسلحة النووية العابرة للقارات.
وسرعان ما أدرك "البحارة" أن هذه لم تكن معلومات سياسية سهلة وسط محيط عاصف. إدراك أهمية المقال أيها الطاقم الصنادلأدركت أنه كان عليهم الصمود حتى مارس. قرروا إنقاذ إمداداتهم الضئيلة بالفعل من الطعام. أكل الجنود البطاطس المنقوعة في وقود الديزل وهي ملقاة تحت الرواتب. وأعدوا حساء الحبوب الذي كان عدده ستة عشر ملعقة. لقد تقاسموا عدة قطع من الخبز بين الجميع. تم أخذ الماء من نظام تبريد المحرك وتمليحه بمياه المحيط.
لمدة ثلاثة عقود ونصف، كان جنود زيغانشين الأربعة مقتنعين بأنه لم يأت أحد لمساعدتهم بسبب سوء الأحوال الجوية. وتبين أنه رغم العاصفة والضباب، كانت منطقة الكارثة للبارجة T-36 تعج بالسفن، لكن مهمتها القتالية لم تشمل البحث عن المفقودين. لقد كانوا مهتمين فقط بالرأس الحربي السري. أما بالنسبة للسفن الأخرى فقد تم إغلاق منطقة مسار الرحلة المتوقع وسقوط الصاروخ. وفي 20 يناير، تم إطلاق الصاروخ القتالي R-7 من موقع اختبار تيورا-تام. وقد سقط الجزء الرئيسي منه بنجاح في المحيط الهادئ. وتم تسجيل سقوط الرأس الحربي وتم وضع الصاروخ في الخدمة على الفور.
للطاقم الصنادلتحملت T-36 أسابيع مؤلمة من الانجراف. طوال شهر فبراير، كان لدى أربعة منا حوالي خمسة كيلوغرامات من البطاطس المملوءة بزيت الآلة. ما أنقذنا هو الماء، أو بالأحرى الطين الصدئ، الذي اكتشفوا أنه يمكن ضخه من نظام التبريد. بعد شهر المغزى إناءتم التقاطها بواسطة تيار المحيط الدافئ. بارجةإذابة وبدأت في التسرب. تبعتها أسماك القرش بلا هوادة، كما لو أنها شعرت أن المنكوبين محكوم عليهم بالهلاك، لكن الأشخاص الذين كانوا على متنها كانوا يقاتلون من أجل حياتهم. تناول الفريق آخر حبة بطاطس في 24 فبراير. لا يزال لدى الناس أحزمة يجب استخدامها في قطع المعكرونة إلى شرائح رفيعة. كما تم استخدام الأحذية القماشية التي كانت الأجزاء الجلدية فقط صالحة للأكل. تم طهي "الطعام" في مياه المحيط. وفي وقت لاحق، تم استخدام الأكورديون ومعجون الأسنان وحتى الصابون. باختصار، لقد أكلوا كل ما يمكن العثور عليه على متن السفينة واستمروا في يوم آخر.
2 مارس 1960 في اليوم الخامس والأربعين المغزىرأى طاقم السفينة السفينة تمر للمرة الأولى. لكنها مرت على مسافة كبيرة جدًا ولم تلاحظ بارجة متجولة. طاقم 6 مارس سفينة الانجرافرأيت السفينة مرة أخرى، لكنه لم يقدم أي مساعدة، لأنه لم ير مرة أخرى بارجة. الناس بالفعل ضعفاء جدا.
في اليوم 49 المغزىوعلى متن القارب الصغير، لم يأكل البحارة شيئًا سوى الجلد والصابون لليوم الثاني عشر. كانت القوة تنفد. قرر الجنود أن يكتبوا رسالة انتحار بأسمائهم، ولكن فجأة سمعوا صوت طائرة هليكوبتر. لقد اعتاد سجناء البارجة بالفعل على الهلوسة، لكن الصوت كان ينمو. مع آخر قواتهم، زحف "السجناء" من المقبض إلى سطح السفينة.
البحرية الأمريكية" يو إس إس كيرسارج"كان مسافراً من اليابان إلى كاليفورنيا. وفي الساعة الرابعة مساءاً أقلعت طائرة هليكوبتر من سطحها. سرعان ما أبلغ الطيار القبطان أنه لاحظ على بعد 115 ميلاً سفينة لا يمكن السيطرة عليها وعلى متنها أربعة أشخاص يرتدون الزي العسكري السوفيتي. وبكل الدلائل فإنهم في محنة. أدار القبطان السفينة نحو البارجة. تم نقل البحارة المنهكين على متن حاملة الطائرات وإطعامهم على الفور ولكن بكميات صغيرة. كان الأشخاص الذين تم إنقاذهم منهكين للغاية لدرجة أنهم لم يتمكنوا حتى من التحرك بمفردهم. تم إعطاؤهم الزي البحري الأمريكي وإرسالهم إلى الحمامات. تحت تيار الماء الدافئ، شعر أسكات زيغانشين بموجة من الخوف لأول مرة منذ 49 يومًا وفقد وعيه. استيقظت بعد ثلاثة أيام في المستوصف، لكن الخوف لم يختف. كان قائد البارجة قلقًا بشأن حقيقة أن الأعداء قد التقطوهم، وكيف سيتمكنون الآن من العودة إلى وطنهم.
الخلاص الذي طال انتظاره
المتجولون المنهكون
قرر أطباء السفينة أن الأربعة جميعًا لديهم يوم واحد على الأكثر للعيش على البارجة. عمليا لم يعد لديهم معدة. تفاجأ البحارة الأمريكيون بالمكان الذي وجد فيه الرجال القوة وكيف خمنوا أنهم سيرفضون على الفور الأطعمة الإضافية. وتحت إشراف الأطباء، تعافى من تم إنقاذهم بسرعة. وكان قائد السفينة يأتي إليهم كل صباح للاستفسار عن أحوالهم.
وبعد أسبوع، عندما الفريق الصنادليمكن بالفعل التحرك بشكل مستقل، تم تنظيم مؤتمر صحفي على متن حاملة الطائرات. لم يُسمح للصحفيين السوفييت بالحضور. عرضت حكومة الولايات المتحدة اللجوء السياسي، لكن القائد أسكات زيغانشين رد بأنه لا يخشى العودة إلى وطنه. بعد المؤتمر، أراد كل من المراسلين التقاط الصور مع الأبطال السوفييت. في اليوم التالي، استقبلت القنصلية السوفيتية في سان فرانسيسكو الأشخاص الأربعة الذين تم إنقاذهم. تمت قراءة برقية الترحيب التي أرسلها إن إس خروتشوف للجنود. وشكر الطاقم الصنادل"T-36" بسبب سلوكهم البطولي خلال الانجراف لمدة 49 يومًا في المحيط الهادئ. في الاتحاد السوفييتي قالت الصحيفة " هل هذا صحيح؟" تحدثت عرضًا عن إنجاز الجنود السوفييت في المحيط، وكرمتهم أمريكا كأبطال. أفاد معلقو الأخبار التلفزيونية أنه في مواقف مماثلة، تشاجر متجولون آخرون غير مستعدين على قطعة خبز وماتوا.